سؤالي عن تفضيل بني إسرائيل على بني إسماعيل في القرآن ، وعن كونهم إن أسلمو أعلى أجرا ومكانة منا فالله عز وجل قال في القرآن الكريم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ، (وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ) ، ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) ، (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) ، فالعالمين في الآية الأولى تعني أن الله رب الخلق جميعا في كل زمان ومكان ، والعالمين في الآية الثانية تعني أن الرسول بعث للناس كافة في كل مكان وزمان بعد البعثة ، معنى كلمة العالمين في الآية الثالثة والرابعة أن الله إختارهم على جميع الخلق في كل زمان ومكان ، أليس هذا دليلا على أن الله عز وجل فضلهم علينا في النبوة والعلم و المعجزات والثقافة ؟
معنى كلمة “العالمين” في القرآن
السؤال: 295782
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
لفظ “العالمين” يطلق في القرآن بإطلاقين:
1- عام .
2- خاص .
فالإطلاق العام : يراد به أصناف الأمم .
ويطلق أيضا ، بالمعنى الخاص ، على كل صنف : عالم .
وعلى أهل كل زمان وقرن : عالم .
يقول الطبري: ” والعالمون جمع عالم ، والعالم جمع لا واحد له من لفظه ، كالأنام والرهط والجيش ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جماع لا واحد له من لفظه.
والعالم اسم لأصناف الأمم ، وكل صنف منها عالم .
وأهل كل قرن ، من كل صنف منها : عالم ذلك القرن ، وذلك الزمان .
فالإنس عالم ، وكل أهل زمان منهم : عالم ذلك الزمان.
والجن عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق ؛ كل جنس منها عالم زمانه.
ولذلك جمع ، فقيل: عالمون، وواحده جمع لكون عالم كل زمان من ذلك عالم ذلك الزمان ” انتهى من “تفسير الطبري” (1/ 144).
ثانيًا:
أما قوله تعالى: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ البقرة/47 ، فالمراد به أن الله فضل أسلاف بني إسرائيل على عالمي زمانهم ، فهذا من إطلاق العام والمراد به خاص .
قال ابن جرير رحمه الله : “وهذا أيضًا مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم ويعني بقوله: وأني فضلتكم على العالمين [البقرة: 47] أني فضلت أسلافكم، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم، إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء، والنعم عند الآباء نعما عند الأبناء، لكون الأبناء من الآباء، وأخرج جل ذكره قوله: وأني فضلتكم على العالمين [البقرة: 47] مخرج العموم، وهو يريد به خصوصا؛ لأن المعنى: وأني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه” انتهى من “تفسير الطبري”(1/ 629).
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : ” قَوْلُهُ – تَعَالَى -: ( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِين ):
ذَكَرَ – جَلَّ وَعَلَا – فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ فَضَّلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ – تَعَالَى – فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ، فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَوْلِهِ فِي الدُّخَانِ: ( وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) . وَقَوْلِهِ فِي الْأَعْرَافِ : ( قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) .
وَلَكِنَّ اللَّهَ – جَلَّ وَعَلَا – بَيَّنَ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – خَيْرٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) ، الْآيَةَ .
فَـ (خَيْرَ) صِيغَةُ تَفْضِيلٍ، وَالْآيَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ، بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ.
وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ فِي أُمَّتِهِ: أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ : وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ – عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ مَعْنَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْمَذْكُورِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – ; لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ النَّصُّ الْمَعْصُومُ الْمُتَوَاتِرُ فِي قَوْلِهِ – تَعَالَى -: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) [3/110] وَقَدْ قَالَ – تَعَالَى -: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) [2/143] .
وَقَوْلُهُ: وَسَطًا أَيْ خِيَارًا عُدُولًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا، مِنْ كَوْنِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَفْضَلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَدِلَّةِ – ، لَا يُعَارِضُ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ آنِفًا فِي تَفْضِيلِ بَنِي إِسْرَائِيل؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّفْضِيلَ الْوَارِدَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: ذُكِرَ فِيهِمْ ، حَالَ عَدَمِ وُجُودِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمَعْدُومُ ، فِي حَالِ عَدَمِهِ ، لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُفَضَّلَ ، أَوْ يُفَضَّلَ عَلَيْهِ.
وَلَكِنَّهُ – تَعَالَى – بَعْدَ وُجُودِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَرَّحَ بِأَنَّهَا خَيْرُ الْأُمَمِ.
وَهَذَا وَاضِحٌ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَفْضِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ – إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ ذِكْرُ أَحْوَالٍ سَابِقَةٍ. لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ نُزُولِ الْقُرْآنِ، كَفَرُوا بِهِ ، وَكَذَّبُوا، كَمَا قَالَ – تَعَالَى -: ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [2/89] … ” انتهى، من “أضواء البيان” (7/197-199) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب