ورد عند ابن كثير رحمه الله أن إسماعيل يكبر إسحاق ب ١٣ سنة ، وفي حديث ابن عباس أن إبراهيم وضع إسماعيل وهو رضيع مع أمنا هاجر عند الكعبة المشرفة ، ثم دعا قائلا ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي ) إبراهيم /37. سؤالي : هو ما توجيه كلمة “من” في الآية السابقة ؟ فأغلب من قرأت له من المفسرين قال : إنها تبعيضية ، أي بعض ذريتي ، فتساءلت كيف قال إبراهيم عليه السلام بعض ذريته على الرغم أن إسماعيل هو وحيد أبيه حين وضعه عند البيت الحرام ولم يقل ذريتي؟
توجيه قوله تعالى: (ربنا إني أسكنت من ذريتي).
السؤال: 297228
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
في كلمة (من) في الآية المذكورة، قولان للعلماء:
الأولى: أنها تبعيضية:
وعلى ذلك: يكون مقصود إبراهيم عليه السلام: أنه أسكن بعض ذريته، وهم: إسماعيل، ومن ولد منه عند بيته المحرم .
فإن قال قائل : كيف يذكر إبراهيم أنه أسكن بعض ولده، ولم يكن له غير إسماعيل ؟
قيل: على هذا أجوبة:
الأول: أن إبراهيم عليه السلام دعا بهذا الدعاء، بعد زمان من بناء الكعبة، كما دل عليه قوله في دعائه هذا الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق [سورة إبراهيم: 39]، فذكر إسحاق – عليه السلام -، انظر: “التحرير والتنوير” (13/ 241).
لكن الظاهر خلاف ذلك، ففي الحديث: فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية، حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه فقال: رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم إبراهيم/37- حتى بلغ – يشكرون إبراهيم/37 ، رواه البخاري: (4/ 142).
الثاني: أنه لم يهاجر بهم إلا بعد ميلاد إسحاق .
ويرد عليه ما رواه الطبري عن ابن عباس: ” قال: وكان بين قوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم [إبراهيم: 37] وبين قوله: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق : كذا وكذا عاما ” انتهى من “التفسير” (13/ 629).
الثالث: أن المفعول محذوف، تقديره: ناسًا، أو: ولدًا، والمراد بهم إسماعيل، فالمعنى: إني أسكنت إسماعيل، فهو بعض ذريته، ولم يذكر بعد قوله ( مِن ذريتي ) ، أيَّ هذه الذرية هو الذي سيكنه، لأن (من) تؤدي عن هذا البعض المبهم، كما سيأتي نقله.
ويمكن أن يكون المراد: إسماعيل، ومن سيولد لإسماعيل بعد ذلك؛ فإن إسكانه متضمن إسكانهم.
انظر: “تفسير الثعلبي”(5/ 322).
وعلى القول الأخير، فإن التبعيض لا يتنافى مع عدم وجود ذرية أخرى لإبراهيم عليه السلام .
والقول الثاني: أن (من) في الآية : زائدة للتوكيد؛ وأن المعنى: أسكنت ذريتي .
قال الإمام الواحدي رحمه الله:
” قوله تعالى: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي قال الفراء: ولم يأت منهم بشيء يقع عليه الفعل، وهو جائز أن يقول: قد أصبنا من بنى فلان، وقتلنا من بني فلان، وإن لم يقل رجالاً؛ لأن (من) تؤدّي عن بعض القوم؛ كقولك: قد أصبنا من الطعام وشربنا من الماء، ومثله: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ [الأعراف: 50] .
قال أبو بكر: ويجوز أن يقال: إن (من) دخلت لتوكيد الكلام، والتقدير: ربنا إني أسكنت ذريتي، كما قال ذو الرُّمّة:
تَبَسَّمْن عن نَوْرِ الأقَاحيِّ في الضُّحَى … وفَتَّرْنَ من أبْصَارِ مضْرُوجةٍ نُجْلِ
وعلى ما ذكر الفراء (من) دخلت للتبعيض، والتأويل: إني أسكنت بعض ذريتي، وذلك أنه أنزل إسماعيلَ، بعض ذرية إبراهيم، يدل على هذا قول ابن عباس في هذه الآية إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي يريد: إسماعيل” انتهى من “البسيط” (12/487-488). وانظر: “زاد المسير” (2/ 515).
وقال الزمخشري، رحمه الله: “(مِنْ ذُرِّيَّتِي) بعض أولادي، وهم إسماعيل ومن ولد منه”. انتهى، من “الكشاف” (2/558).
وقال الشيخ عبد الخالق عضيمة، رحمه الله: “(من) للتبعيض، لأنه أُعلم أن من ذريته من يكون كافرًا، أو من يُهمل إقامتها، وهو مؤمن. البحر 5: 434، الجمل 2: 523.” انتهى من “دراسات لأسلوب القرآن الكريم” عضيمة (3/335).
والحاصل:
أن (من) في قوله تعالى : ( من ذريتي ) إما أن تكون للتوكيد ، فلا إشكال على ما ذكر في التاريخ.
أو تكون (من) للتبعيض، والمراد: بعض ذريتي، ثم لا يلزم أن تكون ذريته جميعها حاضرة، عند ذلك القول، بل يكفي أن يكون قد علم ، أو رجا أن يكون له ذرية أخرى سوى إسماعيل ، وأن يكون الذي أسكنه (إسماعيل) حاضرا ، ثم أولاده بعد ذلك تبع له.
مع مراعاة أن هذه الأخبار المذكورة عن عمر إسماعيل، أو إسحاق ، أو غير ذلك : ليست في شيء من صحيح الحديث والخبر الذي تقوم به الحجة القاطعة للنزاع ، فليس من البين الاستشكال بها ، أو الوقوف عند حرفيتها كثيرا، مع أن توجيه الآيات مع هذه الأخبار، لو صحت: بين ظاهر في العربية، كما نقلناه عن أهل العلم ، والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب