0 / 0

معنى لفظ الجلالة ، وهل هو مشتق ؟ ومادة اشتقاقه – على القول به –

السؤال: 307142

قد رأيت أحد النصارى يقول : إن معنى أل في اللغة العربية هو تعريف للشيء ، فمثال : القمر ، الكتاب ، القلم ، فلماذا اسم الله سبق بأل له ؟ وعندما نحمده نقول الحمد لله ـ فلماذا حذفت الألف ؟ وإذا كان هناك ألف فلماذا لم تُكتب في القرآن؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

“الله” علم على المعبود بحق، لا يطلق على غيره، ولم يجسر أحد من المخلوقين أن يتسمى به .

انظر: “الدر المصون” (1/ 23).

يقول ” السعدي ” : ” الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية، وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده، المحمود وحده، المشكور وحده، المعظم المقدس، ذو الجلال والإكرام.

واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والله أعلم .

فإذا تدبر اسم الله ، عرف أن الله تعالى له جميع معاني الألوهية، وهي كمال الصفات والانفراد بها، وعدم الشريك في الأفعال، لأن المألوه إنما يؤله لما قام به من صفات الكمال، فيحَب ويخضَع له لأجلها.” انتهى من ” تفسير أسماء الله الحسنى ” (164).

ثانيًا :

اختلف العلماء : هل لفظ الجلالة مشتق أو مرتجل ، فذهب بعضهم : إلى أنه مرتجل ، أي: أنه لم يُشتق من غيره ، بل أطلق من أول الأمر عَلَمًا على رب العزة، سبحانه.

وعليه : فالألف واللام فيه أصلية ، وليست زائدة .

ثالثًا :

وذهب بعضهم إلى أنه مشتق ، واختلفوا في مادة اشتقاقه :

1- فقال بعضهم: هو مشتق من ” لاه ، يليه ” أي ارتفع .

2- وقال بعضهم: هو مشتق من ” لاه ، يلوه ، لياها ” أي احتجب .

3- ومنهم من جعله مشتقا من ” أله ” ، وأله لفظ مشترك بين معان ، وهي: العبادة والسكون والتحير والفزع، فمعنى ” إله ” : أن خلقه يعبدونه ، ويسكنون إليه ، ويتحيرون فيه ، ويفزعون إليه.

وذكروا في العلة الصرفية : أن ” الهمزة من الإله حذفت للنقل ، بمعنى أنا نقلنا حركتها إلى لام التعريف ، وحذفناها بعد نقل حركتها ، كما هو المعروف في النقل ، ثم أدغم لام التعريف ، إلا أن النقل هنا لازم لكثرة الاستعمال “.

انظر هذه الأقوال في : “الدر المصون” للسمين الحلبي : ( 1/ 24 – 27).

قال ” ابن كثير ” : ” الله : علم على الرب تبارك وتعالى ، يقال : إنه الاسم الأعظم ؛ لأنه يوصف بجميع الصفات ، وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى ؛ ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاق من : فعل ، ويفعل .

فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد ، لا اشتقاق له .

وقد نقل القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم، وروي عن الخليل وسيبويه : أن الألف واللام فيه لازمة.

قال الخطابي: ألا ترى أنك تقول: يا الله، ولا تقول: يا الرحمن، فلولا أنه من أصل الكلمة ، لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام .

وقيل: إنه مشتق، واستدلوا عليه بقول رؤبة بن العجاج:

لله درُّ الغانيات المُدَّهِ * سَّبحْنَ واسترجَعْنَ من تألُّهي

فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر، وهو التأله، من : ألِه ، يأله ، إلاهة ، وتألها.

كما روي أن ابن عباس قرأ: “ويذرك وإلاهتك” قال: عبادتك، أي: أنه كان يعبد ولا يعبد، وكذا قال مجاهد وغيره.

وقد استدل بعضهم على كونه مشتقًا بقوله: ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ ) [الأنعام: 3] أي: المعبود في السماوات والأرض، كما قال: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ ) [الزخرف: 84] .

ونقل سيبويه عن الخليل: أن أصله: إلاه، مثل فعال، فأدخلت الألف واللام بدلًا من الهمزة، قال سيبويه: مثل الناس، أصله: أناس .

وقيل: أصل الكلمة: لاه، فدخلت الألف واللام للتعظيم، وهذا اختيار سيبويه. قال الشاعر:

لاَهِ ابنُ عَمَّكَ لاَ أَفْضَلْتَ فى حَسَبٍ * عَنَّى ولا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُوني

قال القرطبي: بالخاء المعجمة، أي: فتسوسني.

وقال الكسائي والفراء: أصله: الإله حذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية، كما قال: لكنا هو الله ربي [الكهف: 38] أي: لكن أنا، وقد قرأها كذلك الحسن.

قال القرطبي: ثم قيل: هو مشتق من وله: إذا تحير، والوله ذهاب العقل؛ يقال: رجل واله، وامرأة ولهى، وماء موله: إذا أرسل في الصحاري، فالله تعالى تتحير أولو الألباب والفكر في حقائق صفاته، فعلى هذا يكون أصله: ولاه، فأبدلت الواو همزة، كما قالوا في وشاح: إشاح، ووسادة: إسادة.

وقال فخر الدين الرازي: وقيل: إنه مشتق من ألهت إلى فلان، أي: سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره، والأرواح لا تفرح إلا بمعرفته؛ لأنه الكامل على الإطلاق دون غيره قال الله تعالى: ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [الرعد: 28] .

قال: وقيل: من لاه يلوه: إذا احتجب.

وقيل: اشتقاقه من أله الفصيل، إذأ ولع بأمه، والمعنى: أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال .

قال: وقيل: مشتق من أله الرجل يأله: إذا فزع من أمر نزل به، فألهه، أي: أجاره، فالمجير لجميع الخلائق من كل المضار: هو الله سبحانه؛ لقوله تعالى: ” ( وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ ) [المؤمنون: 88] ، وهو المنعم لقوله: ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) [النحل: 53] ، وهو المطعم لقوله: ( وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ) [الأنعام: 14] ، وهو الموجد لقوله: ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) [النساء: 78] .

وقد اختار فخر الدين أنه اسم علم غير مشتق البتة، قال: وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليين والفقهاء، ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه:

منها: أنه لو كان مشتقا لاشترك في معناه كثيرون .

ومنها: أن بقية الأسماء تذكر صفات له، فتقول: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس، فدل أنه ليس بمشتق، قال: فأما قوله تعالى: العزيز الحميد الله [إبراهيم: 1، 2] على قراءة الجر فجعل ذلك من باب عطف البيان.

ومنها قوله تعالى: هل تعلم له سميا [مريم: 65] ، وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامدًا غير مشتق نظر، والله أعلم.

وحكى فخر الدين عن بعضهم أنه ذهب إلى أن اسم الله تعالى عبراني، لا عربي، ثم ضعفه، وهو حقيق بالتضعيف كما قال. وقد حكى فخر الدين هذا القول، ثم قال: واعلم أن الخلق قسمان: واصلون إلى ساحل بحر المعرفة، ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة؛ فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم، وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال، فتاهوا في ميادين الصمدية، وبادوا في عرصة الفردانية، فثبت أن الخلق كلهم والهون في معرفته.

وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: لأن الخلق يألهون إليه ، بنصب اللام وجرها ، لغتان.

وقيل: إنه مشتق من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع: لاها، وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس: لاهت.

وأصل ذلك الإله، فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة، فالتقت اللام التي هي عينها ، مع اللام الزائدة في أولها للتعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة، وفخمت تعظيما، فقيل: الله “، انتهى من “التفسير” (1/ 123 – 124).

رابعًا :

وأما الألف واللام فيترتب الكلام فيها على كونه مشتقا ، أو غير مشتق:

1- فإن قيل بالأول كانت في الأصل معرفة .

2- وإن قيل بالثاني كانت زائدة .

قال “السمين” في “الدر” (1/ 28) بتصرف يسير: ” وقد شذ حذف الألف واللام من الجلالة في قولهم “لاه أبوك” ، والأصل: لله أبوك ، قالوا:

1- وحذفت الألف التي قبل الهاء خطا ، لئلا يشبه بخط “اللات” اسم الصنم، لأن بعضهم يقلب هذه التاء في الوقف هاء ، فيكتبها هاء تبعًا للوقف ، فمن ثم جاء الاشتباه.

2- وقيل: لئلا يشبه بخط “اللاه” ، اسم فاعل من لها يلهو، وهذا إنما يتم على لغة من يحذف ياء المنقوص المعرف وقفا ، لأن الخط يتبعه، وأما من يثبتها وقفًا فيثبتها خطًا ، فلا لبس حينئذ.

3- وقيل: حذف الألف لغة قليلة جاء الخط عليها، والتزم ذلك لكثرة استعماله “، انتهى .

خامسًا :

ننصح السائل الكريم بعدم الدخول في معترك الشبهات والردود عليها ، إلا بعد أن تتقوى معرفته بأحكام الإسلام وشرائعه ، ويتقوى إيمانه ويقينه ، وليس هذا من باب الاستحباب ، بل هو واجب في حقه ، وفي حق كل من يدخل في معترك الشبهات والردود على أهل البدع والضلال والأديان المحرَّفة .

وفي هذا الأمر عدة فوائد مهمة :

1- الحفاظ على دين الله وشريعته من المتحمسين الذين ليس عندهم زاد علمي ، فترى الشبهة التي يطرحهما أعداء الدين ، غير التي يردون عليها ، وترى – أحيانًا أخرى – الرد ضعيفًا يقوِّي الباطل ويُضعف الحق .

2- الحفاظ على المسلمين المتحمسين لتلك الردود من الانجراف وراء الشبهة وأهلها ، فكثير من الداخلين في هذا المعترك يدخلون بزاد قليل ، فتخطف الشبهةُ قلوبَهم ، ولا يجد لها جواباً عنده ، فيحار ، ويتشكك ، كما أن كثرة النظر في الشبهات تُضعف القلب .
قال ابن القيم رحمه الله :
وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه – وقد جعلت أورد عليه إيرادًا بعد إيرادٍ – : ” لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها ، فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ، ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها ، صار مقرا للشبهات ” أو كما قال .
فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك ” ، انتهى من ” مفتاح دار السعادة ” (1/ 140).

وانظر الجواب رقم: (97726) ، (284262).

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android