0 / 0
29,91805/12/2019

تقسيم مباحث الاعتقاد عند أهل السنة وغيرهم

السؤال: 307343

هل معنى الإلهيات عند أهل السنة والجماعة هو نفس معناه عند غيرهم من أشاعرة وصوفية وفلاسفة وغيرهم؟ وإذا كان الجواب لا، فما هو مراد كل واحد منهم عند إطلاق هذا اللفظ، وخصوصا عند السنة والأشاعرة والصوفية إذا إنهم يكثرون ذكره؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

يقسم المتكلمون، من الأشاعرة وغيرهم، الكلام في العقائد إلى ثلاث قضايا رئيسة ، وهي :

1- الإلهيات .

2- النبوات .

3- السمعيات .

قال “الباجوري” :

” وقد انقسمت مباحث هذا الفن ثلاثة أقسام :

إلهيات : وهي المسائل المبحوث فيها عما يتعلق بالإله .

ونبوات : وهي المسائل التي يبحث فيها عما يتعلق بالأنبياء .

وسمعيات : وهي المسائل التي لا تتلقى أحكامها إلا من السمع ” انتهى من “حاشية الباجوري على جوهرة التوحيد” (104) .

ثانيًا :

نفس التقسيم لا بأس به عند أهل السنة والجماعة ، غير أن تفاصيل المسائل يختلف فيها أهل السنة عن المتكلمين والفلاسفة .

” وقد يقال: إن موضوع علم التوحيد يدور على محاور ثلاثة، وذلك على النحو التالي:

1- ذات الله تعالى أو “الإلهيات”:

والبحث في ذات الله تعالى من حيثيات ثلاث، هي:

1- ما يتصف به تعالى من العلم والحياة والقدرة والصفات، وسائر صفاته وكمالاته تعالى. قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .

2- ما يتنزه عنه من الظلم والنقص والعجز والمثالب، وسائر ما لا يليق بجلاله وكماله. قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة: 255] .

3- حقه على عباده، وهو أن يعبدوه فلا يشركوا به شيئًا، وأن يطيعوه فلا يعصوه أبدًا، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] ، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 5] .

وقد أغفل كثير من المخالفين لأهل السنة في الاعتقاد هذه الحيثية الثالثة عند البحث في موضوع علم التوحيد، حيث قصروه على ما يشمل إثبات وجوده تعالى وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأغفلوا ما يشمل ألوهيته وعبادته، وسبب ذلك أنهم قصروا الإيمان على التصديق، وأخرجوا عنه العمل بالطاعات، واجتناب الشركيات، وجعلوا الكفر مجرد التكذيب والجحود بالقلب، ولا دخل لعمل الجوارح في الكفر، إلا إذا دل على انتقاض عمل القلب فحسب، ولذا قال قائلهم في جوهرة التوحيد:

ومن لمعلوم ضرورة جحد … من ديننا يقتل كفرا ليس حد

ومثل هذا من نفي لمجمع … أو استباح كالزنا فلتسمع

… فإن اقتصر الباحث في علم التوحيد على هذه الحيثيات الثلاث، وبفهم السلف فهو داخل حظيرة الإسلام والسنة، وإن خاض في البحث عن حقيقة الذات، وكنه الصفات، وأمور الإلهيات، على قواعد أهل الكلام، فقد خرج عن السنة إلى البدعة، وعن الهدى إلى الضلالة، وإن زاد في المخالفة، فبحث على قواعد أهل الفلسفة، فقد خرج عن دائرة البدعة إلى الكفر، والعياذ بالله تعالى.

ورحم الله من قال:

العجز عن درك الإدراك إدراك … والبحث في كنه ذات الله إشراك

2- ذوات الرسل الكرام أو “النبوات”:

والبحث في ذوات الرسل الكرام من الحيثيات التالية:

– ما يلزمهم ويجب عليهم من صدق وأمانة وبلاغ ونصح لأممهم، ونحو ذلك. قال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود: 75] ، وقال سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4] ، وقال عز وجل: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة: 99] .

– ما يجوز في حقهم من أكل ونكاح وأمراض غير منفرة وموت، ونحو ذلك مما يعرض للبشر. قال تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان: 7] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد: 38] ، وقال تعالى: قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [إبراهيم: 11] .

– ما يستحيل في حقهم من الكذب والخيانة والكفر والكبائر والموبقات. قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3، 4] .

– ما يجب لهم على أتباعهم من الحب والطاعة والاتباع والتعظيم. قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء: 64] ، وقال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6] .

3- السمعيات أو “الغيبيات”:

وهي ما يتوقف الإيمان به على مجرد ورود السمع أو الوحي به، وليس للعقل في إثباتها أو نفيها مدخل، كأشراط القيامة، وتفاصيل البعث والجزاء دون أصلهما، والصراط والحوض، وأخبار الجنة والنار، ونحو ذلك.

والبحث في السمعيات أو مسائل الغيب يكون من حيث اعتقادها، وهو يقوم على دعامتين اثنتين هما:

1- الإقرار بها مع التصديق، ويقابله الجحود والإنكار لها.

2- الإمرار لها مع إثبات معناها، ويقابله الخوض في الكنه والحقيقة، ومحاولة التصور والتوهم بالعقل بعيدا عن النقل.

وضابط السمعيات: أن العقل لا يمنعها أو يحيلها، ولا يقدر على ذلك، ولا يقدر أن يوجبها، ولا يحار في ذلك.

فمتى ما صح النقل عن الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الواجب اعتقاد ذلك والإقرار به، ودفع كل تعارض موهوم بين شرع الله وهو الوحي، وبين خلقه وهو العقل، قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] ، وكما أنه لا تفاوت في خلقه: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [تبارك: 3] ، فلا تفاوت أيضًا في شرعه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء: 82] .

والقاعدة الذهبية: أنه لا يتعارض نقل صحيح ، مع عقل صريح ؛ عند التحقيق.

– وأخيرا: فإنه قد يصح أن يقال: إن موضوع علم التوحيد هو ذات الله تعالى وحده، وذلك من حيث ما يجب له، ويجوز، ويمتنع، ومن حيث رسالته الواردة عن طريق الرسول، ومن حيث ما ورد في هذه الرسالة من خبر ووحي، فالكل متعلق بالله تعالى الواحد الأحد.

وعلى هذا؛ فكل ما له تعلق بالله، أو الرسول، أو الوحي، من الحيثيات السابقة: فهو من علم التوحيد، وما خرج عن ذلك، فهو خارج عن علم التوحيد ولا بد “، انتهى من “طريق الهداية – مبادئ ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة” د. محمد يسري”، (134 – 138)، بتصرف .

ثالثًا :

تحدثنا عن هذه الفرق سابقًا في عدة أجوبة يرجى مراجعتها ، (205836)، (226290)، (4983)، (20375)، (88184).

مع التنبيه إلى أن الفلاسفة لا يقسمون “البحث العقدي” هذه القسمة السابقة، بل هذه قسمة خاصة بالبحث الكلامي؛ فهناك خلافات بينة في منطلق البحث، ومنهجه بين البحث الكلامي والفلسفي، مع شيء من الخلاف في الترتيب أيضا ، وإن كان ذلك كله قد أخذ في التناقص ، بسبب اختلاط البحث الكلامي بالقواعد الفلسفية، وسلوك كثير من مسالكه، عند متأخري المتكلمين.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android