هل يجوز للزوج أن يكتب كل ممتلكاته لزوجته دون أبنائه ، وبعد وفاته قامت الزوجة بتأجيل تقسيم الميراث إلى بعد وفاتها ؛ حفاظا عليها من الاحتياج لأحد ، لأنه ليس لها معاش من زوجها المتوفى وقد مر على وفاة الزوج الآن ٢٦ عاما ، وما زالت الأمور معلقة ، علما بتفانيها وحبها لأبنائها ، وحبهم لها ، لكن خوفها من شدائد الحياة دفعها إلى ذلك ؟
كتب الزوج ممتلكاته بعد وفاته لزوجته لتتصرف حسب المصلحة فأجلت توزيع الميراث إلى بعد وفاتها .
السؤال: 309832
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إذا كتب الزوج كل ممتلكاته لزوجته في حياته ، فهذا التصرف – في بلد السائل- يعني أن الزوج سجل ممتلكاته باسم زوجته في الأوراق الرسمية للدولة، على سبيل البيع لها .
وهذا التصرف يحتمل أمرين :
الأول : أنه ملكها هذه الممتلكات فعليا في حياته، بحيث انتقلت حيازتها إليه ، وصار بإمكانها أن تتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، ببيع، أو هبة ، أو نحو ذلك من التصرفات.
فإذا كان هذا هو الواقع: فهذا التصرف جائز ، لأنه يجوز للزوج أن يهب جميع ممتلكاته لزوجته ، وينظر جواب السؤال رقم : (182290) .
وحينئذ ؛ فهذه الممتلكات تكون ملكا للزوجة ولا تدخل في التركة ولا حق للأولاد فيها ، وليس لأحد منهم أن يطالب بتقسيمها ، لأن والدهم وهبها لزوجته ، فقد خرجت من ملك أبيهم قبل وفاته.
غير أننا نستبعد أن يكون هذا التصرف، بشروطه المذكورة، هو الذي تم في حقيقة الأمر، بحسب معرفتنا بواقع الناس في أمثال هذه التصرفات.
الثاني : أن تكون الهبة هبة صورية فقط، لا يقصد منها انتقال الملك إلى الزوجة في حياة الزوج ، بل يقصد منها تمليكها لممتلكات الزوج بعد وفاته، أو على أقل تقدير: تمكينها من التصرف فيما شاءت من هذه الممتلكات، بعد وفاته، وعدم الوقوف عند نصيبها المحدد من الميراث.
فإن كان الأمر كذلك ، وهذا هو الظاهر من السؤال، والغالب على تصرف الناس في مثل ذلك: فهو غير جائز ، لأن هذا التصرف مجرد حيلة لإسقاط حق الأولاد في التركة ، أو منعهم من التصرف في حقهم ، إما دائما ، وإما لفترة معينة ، وإن طالت كما هو الحاصل ؛ وكلاهما غصب محرم ، وعدوان على حق الورثة .
ولا عبرة بالبيع الصوري، أو الكتابة التي وقعت ، فهي مجرد حيلة ، لا حقيقة لها في واقع الأمر ، كما سبق ، ومعلوم عند العلماء أن "الحيل لا تسقط واجبا ، ولا تبيح محرما " .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، وهو يذكر الأدلة على تحريم الحيل :
"أولاً: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنما الأعمال بالنيات .
ثانياً: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم : قاتل الله اليهود ، لما حرمت عليهم الشحوم أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها فتحيلوا على المحرم.
ثالثاً: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل قال شيخ الإسلام: إسناده جيد.
أما التعليل؛ فلأنه يتضمن إسقاط حق المسلم، وكل ما تضمن إسقاط الحقوق الواجبة، فهو حرام، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام .
فإن قال قائل: ما هي الحيلة؟
قلنا: الحيلة هي أن يُتوصل إلى شيء محرم، بصورة ظاهرها الحل، والحيل في أي شيء محرمة، فكل حيلة على إسقاط واجب ، أو انتهاك محرم فهي حرام" انتهى من "الشرح الممتع" 10/241-243) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"لَا يَجُوزُ الِاحْتِيَالُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّ مُسْلِمٍ ، وَمَا وَجَدَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ لِأَجْلِ الِاحْتِيَالِ الْمُحَرَّمِ، فَهُوَ بَاطِلٌ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/386) .
وعلى ذلك؛ فإن الزوجة لا تملك التركة ، وليس لها منها إلا نصيبها الشرعي فقط ، وهو الثمن من كل ما تركه زوجها ، وليس لها أن تمنع الورثة من حقهم .
فإن رضي الورثة جميعها، ببقاء التركة تحت تصرف الأم ، فالأمر إليهم في ذلك .
بشرط أن من طالب منهم بقسمة التركة ، في أي وقت؛ وجبت إجابته ، لأنه إنما يطالب بحقه .
وينظر جواب السؤال : (188488) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة