أشار القرآن إلى أن النمل يتحدث بلغتنا نحن البشر، أي كلام نحن نفهمه؛لأن سيدنا سليمان عليه السلام استطاع سماع صوت النمل، وهو يتحدث مع بعضه، وأيضا أشار إلى أن الحيوانات تتحدث مثلنا في آية: (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ )النمل/83 ، ولكن بالنسبة للنمل، فقد أشار القرآن إلى أن طريقة التواصل بين النمل هي الكلام، أي مثل الكلام الذي نتحدثه نحن، ولكن في الحقيقة علميا يتواصل النمل عن طريق مواد كيميائية، وعن طريق قرون الاستشعار، وعن طريق الروائح، ولكن القرآن يخبرنا بأنها تتحدث فيما بينها كلاما عاديا مثل كلامنا ؟ وأيضا كما في الآية الثانية ، إن الدابة التي ستخرج ستكلم الناس، أي لديها القدرة على الكلام مثل البشر، فكيف بإمكاننا التوفيق بين الآيات التي تخبرنا بتحدث الحيوانات، وبين ما تم اكتشافه عن طرق التواصل الكيميائية بين النمل؟ وأساسا يعرف علماء اللغة أن اللغة هي سمة خاصة بالإنسان فقط ، ولا يستطيع حيوان آخر الكلام غيره ، فكيف نوفق بين الأشياء ؟
كلام “الحيوانات” في القرآن
السؤال: 317128
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا :
جعل الله لكل جنس من أجناس الحيوان “لغة” يتواصل بها ، قد أصبح من المقطوع به الآن عند العلماء الذين يدرسون سلوك أنواع الطير والحيوان والحشرات ، أن لكل منها لغة تقوم مقام اللغة المعهودة عند البشر ، في التعبير ونقل الأحاسيس والمعارف ، على نحوٍ ما، لا تزال تفاصيله مجهولة من البشر، لكن المقطوع به، من شواهد كثيرة جدًا: أن لكل منها نوعًا من اللغة، يتم به الاتصال بين أفراده ، وقد سجل بعض العلماء تسجيلات صوتية لأنواع من الطيور في حالة الفزع نقلت إليهم – في غاية من الوضوح – هذه المشاعر والمعاني.
فلم يعد يُشك الآن في أن كل نوع من الأحياء له لغة خاصة بأفراده ، وهذا أمر واضح لكل من يراقب سلوك الطيور والحشرات ، بل إن بعض العلماء يذهبون إلى أن أنواع النبات هي الأخرى تملك لغة واتصالًا فيما بينها، على نحو ما – مما لا يتسع المجال لتقرير القول فيه ، ولا يتطلبه”، انتهى.
انظر: “دعاوى الطاعنين” عبدالمحسن المطيري(366).
ثانيًا :
من إنعام الله على سليمان عليه السلام أنه علمه منطق الطير ، قال سليمان عليه السلام : يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ النمل/16.
أي أن الله جعله يفهم طريقة تواصل الحيوانات بعضها مع بعض ، “وسماه منطقًا لما فهمه عنها كما يفهم بنطق الرجل”.
انظر : “الهداية إلى بلوغ النهاية” لمكي(8/ 5382)، و”تفسير البغوي” (6/ 148).
قال “ابن عطية” : ” إخبار بنعمة الله عندهما، في أن فهمهما من أصوات الطير المعاني التي نفوسها، وهذا نحو ما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يسمع أصوات الحجارة ” انتهى من “المحرر الوجيز” (4/ 253).
وعليه ؛ فلا يلزم أن يكون كلامها ككلام البشر ، وإنما سُمي منطقًا لأن التفاهم فيما بينها ، قد حصل به ، وأخبرنا الله معنى كلام النملة وكلام الهدهد وهكذا ..
وقد قال الإمام ابن كثير : ” أخبر سليمان بنعم الله عليه ، فيما وهبه له من الملك التام ، والتمكين العظيم ، حتى إنه سخر له الإنس والجن والطير .
وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضا ، وهذا شيء لم يعطَه أحد من البشر – فيما علمناه -مما أخبر الله به ورسوله .
ومن زعم من الجهلة والرعاع أن الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود – كما يتفوه به كثير من الناس – فهو قول بلا علم .
ولو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة ؛ إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم ، ويعرف ما تقول ، فليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا ، بل لم تزل البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت خلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال .
ولكن الله، سبحانه وتعالى ، كان قد أفهم سليمان ، عليه السلام ، ما يتخاطب به الطيور في الهواء، وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها ؛ ولهذا قال : علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء أي : مما يحتاج إليه الملك ، إن هذا لهو الفضل المبين أي : الظاهر البين لله علينا “، انتهى من “التفسير” (6/ 182).
وقال “ابن عاشور” في “التحرير والتنوير” (19/ 236 – 238) : ” وعلم منطق الطير أوتيه سليمان من طريق الوحي بأن أطلعه الله على ما في تقاطيع وتخاليف صفير الطيور أو نعيقها، من دلالة على ما في إدراكها وإرادتها.
وفائدة هذا العلم أن الله جعله سبيلا له ، يهتدي به إلى تعرف أحوال عالمية ، يسبق الطير إلى إدراكها بما أودع فيه من القوى الكثيرة .
وللطير دلالة في تخاطب أجناسها ، واستدعاء أصنافها ، والإنباء بما حولها ، ما فيه عون على تدبير ملكه ، وسياسة أمته ، مثل استخدام نوع الهدهد في إبلاغ الأخبار وردها ونحو ذلك.
ووراء ذلك كله انشراح الصدر بالحكمة ، والمعرفة لكثير من طبائع الموجودات وخصائصها.
ودلالة أصوات الطير على ما في ضمائرها : بعضها مشهور ، كدلالة بعض أصواته على نداء الذكور لإناثها ، ودلالة بعضها على اضطراب الخوف ، حين يمسكه ممسك أو يهاجمه كاسر…
وعبر عن أصوات الطير بلفظ منطق، تشبيها له بنطق الإنسان، من حيث هو ذو دلالة لسليمان على ما في ضمائر الطير ، فحقيقة المنطق الصوت المشتمل على حروف تدل على معان ” انتهى.
ثالثًا :
من أشراط الساعة ، وعند قيام القيامة : أن يخرج الله لهم دابة من دواب الأرض، فتتكلم بكلام ككلام البشر ، وليس هذا بمستغرب ، فإن هذا من خوارق العادات الكثيرة التي تكون في هذا الزمان، وانخرام ناموس الكون، وقوانينه العامة .
وليس في شيء ذلك ما يحيله العقل، أو يمنع من وقوعه، ولا هو داخل في سلطانه، وتجربته.
قال الله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ النمل/82 .
يقول الشيخ السعدي في “التفسير” (610) : ” وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان ، وتكون من أشراط الساعة ، كما تكاثرت بذلك الأحاديث .
ولم يأت دليل يدل على كيفيتها ، ولا من أي نوع هي ، وإنما دلت الآية الكريمة على أن الله يخرجها للناس ، وأن هذا التكليم منها خارق للعوائد المألوفة ، وأنه من الأدلة على صدق ما أخبر الله به في كتابه والله أعلم “.
وقال : ” لم يذكر الله ورسوله كيفية هذه الدابة ، وإنما ذكر أثرها ، والمقصود منها ، وأنها من آيات الله تكلم الناس كلاما خارقا للعادة حين يقع القول على الناس ، وحين يمترون بآيات الله فتكون حجة وبرهانًا للمؤمنين وحجة على المعاندين “، انتهى .
وقال “الطاهر” في “التحرير” (20/ 39): ” وإنما خلق الله الكلام لهم ، على لسان دابة ، تحقيرًا لهم، وتنديمًا على إعراضهم عن قبول أبلغ كلام ، وأوقعه ، من أشرف إنسان وأفصحه ، ليكون لهم خزيًا في آخر الدهر يعيرون به في المحشر.
فيقال : هؤلاء الذين أعرضوا عن كلام رسول كريم ، فخوطبوا على لسان حيوان بهيم.
على نحو ما قيل: استفادة القابل من المبدأ، تتوقف على المناسبة بينهما “، انتهى .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب