ما هو التفسير الصحيح لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ)؟ علاوة على ذلك ، لكي يفهم المرء تكدّس السماء في الحقيقة ، يجب أن يفهم المرء معنى “السماء” في الحقيقة، أيضا عندما يتحدث الله تعالى في هذه الآية عن(مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)، لقد قرأت أن تكون مرادفة للتناقض ، التماثل ، عدم التناسق ، فهل يمكننا تفسير هذه الآية على أنه لا يمكن لأحد أن يجد “تناقض” في قانون الطبيعة مع قانون آخر، حيث لا تنهار الرياضيات والفيزياء في منتصف الطريق؛ لأنها تستمر في أداء الوظيفة؟ وهل يمكن أيضًا تفسيرها على أنها التماثل الرياضي الذي يبدو أننا نلاحظه في الكون؟ عموما ، ما هو التفسير الحقيقي والكامل لهذه الآية المعنية؟
قوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) والضبط الدقيق
السؤال: 318246
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا :
قال تعالى : تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ الملك/1-4.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
“تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ أي: تعاظم وتعالى، وكثر خيره، وعم إحسانه، من عظمته أنَّ بيده ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه، ويتصرف فيه بما شاء، من الأحكام القدرية، والأحكام الدينية، التابعة لحكمته.
ومن عظمته: كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسماوات والأرض.
وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم؛ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.
وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات.
الْغَفُورُ عن المسيئين والمقصرين والمذنبين، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا، فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا.
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا أي: كل واحدة فوق الأخرى، ولسن طبقة واحدة، وخلقها في غاية الحسن والإتقان مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ أي: خلل ونقص.
وإذا انتفى النقص من كل وجه، صارت حسنة كاملة، متناسبة من كل وجه، في لونها وهيئتها وارتفاعها، وما فيها من الشمس والقمر والكواكب النيرات، الثوابت منهن والسيارات.
ولما كان كمالها معلومًا، أمر الله تعالى بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها، قال:
فَارْجِعِ الْبَصَرَ أي: أعده إليها، ناظرًا معتبرًا هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ أي: نقص واختلال.
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ المراد بذلك: كثرة التكرار يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ أي: عاجزًا عن أن يرى خللا أو فطورًا، ولو حرص غاية الحرص.” انتهى من “تفسير السعدي” (875).
وقد اختلف أهل العلم في عموم قوله تعالى (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) ؛ فذهب بعضهم إلى أن نفي التفاوت فيها عام لكل ما خلق الله جل جلاله ، فليس في شيء منه : تفاوت، ولا نقص، ولا اضطراب.
وذهب بعضهم إلى أن المراد بـ ( خلق الرحمن ) في هذه الآية : السموات والأرض، خاصة، دون ما سواها من كل ما خلق الله ، فلا تعرض له في هذه الآية ، وإن كان كمال قدرة الله تعالى ، وعظيم خلقه : معروف مقرر ، لا خفاء به على أحد .
وقد سبق بيان هذين القولين في جواب السؤال رقم : (160890).
ثانيًا :
من البراهين التي يُستدل بها على وجود الله سبحانه ؛ برهان “الضبط الدقيق” ، أو “دليل العناية” وهو ما ذكره الله في قوله : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا الفرقان/1-2 .
وخلاصته :
1- أن قوانين الكون مضبوطة ضبطًا دقيقًا لوجود الحياة .
2- تفسير الضبط الدقيق لا يخرج عن الضرورة المادية أو الصدفة أو الحكمة .
3- الضرورة المادية والصدفة لا تفسران الضبط الدقيق للكون .
4- الكون منظم من بديع متعال على المادة ، وهو الله سبحانه .
انظر :
“براهين وجود الله” سامي عامري : (443) وما بعدها .
و”دليل النظم والإحكام” : من الأدلة العقلية على وجود الله سبحانه .
قال “ابن القيم” : ” ومن نظر في هذا العالم ، وتأمل أمره حق التأمل ؛ علم قطعًا أن خالقه أتقنه وأحكمه ، غاية الإتقان والإحكام ، فإنه إذا تأمله وجده كالبيت المبني المعد فيه جميع عتاده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم منضودة كالمصابيح ، والمنافع مخزونة كالذخائر ، كل شيء منها لأمر يصلح له ، والإنسان كالمالك المخول فيه ، وضروب النبات مهيأة لمآربه ، وصنوف الحيوان مصرفة في مصالحه ، فمنها ما هو للدر والنسل والغذاء فقط ، ومنها ما هو للركوب والحمولة فقط ، ومنها ما هو للجمال والزينة ، ومنها ما يجمع ذلك كله كالإبل ، وجعل أجوافها خزائن لما هو شراب وغذاء ودواء وشفاء ففيها عبرة للناظرين ، وآيات للمتوسمين ، وفي الطير واختلاف أنواعها وأشكالها وألوانها ومقاديرها ومنافعها وأصواتها ، صافات وقابضات ، وغاديات ورائحات ، ومقيمات وظاعنات : أعظم عبرة وأبين دلالة على حكمة الخلاق العليم “، انتهى من “الصواعق المرسلة” (4/ 1568).
وانظر : “شموع النهار” للعجيري : (167) وما بعدها .
فالحاصل :
أن القوانين التي وضعها الله لتسيير الكون حسب حكمته وعلمه سبحانه هي متقنة مضبوطة ضبطًا دقيقًا ، ويمكنك الرجوع إلى المصادر السابقة ، ففيها تفصيل وردود .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة