0 / 0
10,35828/06/2021

تفسير قوله تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ).

السؤال: 332558

ما سبب تقديم النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وما تكون في شأن) على المسلمين، كما في قوله تعالى: (ولا تعملون من عمل)؟

الجواب

أولًا:

تفسير آية (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن…)

قال تعالى:  وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  يونس/61.

قال "ابن كثير" في "تفسيره" (4/ 277): "يُخْبِرُ تَعَالَى نَبِيَّهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ أُمَّتِهِ، وَجَمِيعَ الْخَلَائِقِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَآنٍ وَلَحْظَةٍ، وَأَنَّهُ لَا يعزُب عَنْ عِلْمِهِ وَبَصَرِهِ مثقالُ ذَرَّةٍ في حقارتها وصغرها في السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَلَا أَصْغَرَ مِنْهَا وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، كَقَوْلِهِ: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الْأَنْعَامِ: 59]، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْلَمُ حَرَكَةَ الْأَشْجَارِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْجَمَادَاتِ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ السَّارِحَةُ فِي قَوْلِهِ: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الْأَنْعَامِ: 38]، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هُودٍ: 6].

وَإِذَا كَانَ هَذَا عِلْمَهُ بِحَرَكَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَكَيْفَ بِعِلْمِهِ بِحَرَكَاتِ الْمُكَلَّفِينَ الْمَأْمُورِينَ بِالْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشُّعَرَاءِ: 217 -219]؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ؛ أَيْ: إِذْ تَأْخُذُونَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ: نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَكُمْ رَاءُونَ سَامِعُونَ" انتهى.

ثانيًا:

لماذا خصص الرسول في أول هذه الآية بالخطاب؟

وأما عن نظام الآية الكريمة، وسياقها؛ "فاعلم أنه لما أطال الكلام في أمر الرسول بإيراد الدلائل على فساد مذاهب الكفار، وفي أمره بإيراد الجواب عن شبهاتهم، وفي أمره بتحمل أذاهم، وبالرفق معهم؛ ذكر هذا الكلام ليحصل به تمام السلوة والسرور للمطيعين، وتمام الخوف والفزع للمذنبين، وهو كونه سبحانه عالما بعمل كل واحد، وبما في قلبه من الدواعي والصوارف، فإن الإنسان ربما أظهر من نفسه نسكًا وطاعة وزهدا وتقوى، ويكون باطنه مملوءًا من الخبث، وربما كان بالعكس من ذلك؛ فإذا كان الحق سبحانه عالما بما في البواطن، كان ذلك من أعظم أنواع السرور للمطيعين، ومن أعظم أنواع التهديد للمذنبين." انتهى من "تفسير الرازي" (17/ 272).

وتخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم: ظاهر؛ تعظيمًا لشأنه، وتفخيمًا لقدره.

قال "الرازي": "اعلم أنه تعالى خصص الرسول في أول هذه الآية بالخطاب في أمرين، ثم أتبع ذلك بتعميم الخطاب مع كل المكلفين في شيء واحد.

أما الأمران المخصوصان بالرسول عليه الصلاة والسلام، فالأول: منهما قوله: (وما تكون في شأن)..

وفيه وجهان: قال ابن عباس: وما تكون يا محمد في شأن يريد من أعمال البر، وقال الحسن: في شأن من شأن الدنيا وحوائجك فيها.

والثاني: منهما قوله تعالى: (وما تتلوا منه من قرآن).

واختلفوا في أن الضمير في قوله: (منه) إلى ماذا يعود؟ وذكروا فيه ثلاثة أوجه:

الأول: أنه راجع إلى الشأن، لأن تلاوة القرآن شأن من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو معظم شأنه، وعلى هذا التقدير، فكان هذا داخلًا تحت قوله: (وما تكون في شأن) إلا أنه خصه بالذكر، تنبيهًا على علو مرتبته، كما في قوله تعالى: (وملائكته ورسله وجبريل وميكال) [البقرة: 98]، وكما في قوله: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم) [الأحزاب: 7].

والثاني: أن هذا الضمير عائد إلى القرآن والتقدير: وما تتلو من القرآن من قرآن، وذلك لأن كما أن القرآن اسم للمجموع، فكذلك هو اسم لكل جزء من أجزاء القرآن، والإضمار قبل الذكر يدل على التعظيم.

الثالث: أن يكون التقدير: وما تتلو من قرآن من الله؛ أي نازل من عند الله.

وأقول: قوله: (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن): أمران مخصوصان بالرسول صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله: (ولا تعملون من عمل) فهذا خطاب مع النبي، ومع جميع الأمة.

والسبب في أن خص الرسول بالخطاب أولًا، ثم عمم الخطاب مع الكل، هو أن قوله: (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن) وإن كان بحسب الظاهر خطابًا مختصًّا بالرسول، إلا أن الأمة داخلون فيه، ومرادون منه، لأنه من المعلوم أنه إذا خوطب رئيس القوم، كان القوم داخلين في ذلك الخطاب. والدليل عليه قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) [الطلاق: 1].

ثم إنه تعالى بعد أن خص الرسول بذينك الخطابين، عمم الكل بالخطاب الثالث فقال: (ولا تعملون من عمل)؛ فدل ذلك على كونهم داخلين في الخطابين الأولين.

ثم قال تعالى: (إلا كنا عليكم شهودًا): وذلك لأن الله تعالى شاهد على كل شيء، وعالم بكل شيء." انتهى من "تفسير الرازي" (17/ 272 – 274)، بتصرف.

وقال "ابن عاشور" في "التحرير والتنوير" (11/ 212):

"فَيَكُونُ الْكَلَامُ قد ابتدئ بشؤون النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّهِ كَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَثُنِّيَ بِمَا هُوَ من شؤونه بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسِ، وَهُوَ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ عَلَى النَّاسِ، وَثَلَّثَ بِمَا هُوَ من شؤون الْأُمَّةِ فِي قَوْلِهِ: (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ)؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ فِيهِ شَامِلًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ ذِكْرِ شَأْنٍ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، يُخَصِّصُ عُمُومَ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: (تَعْمَلُونَ)؛ فَلَا يَبْقَى مُرَادًا مِنْهُ إِلَّا مَا يَعْمَلُهُ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ"، انتهى.

الله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android