قرأت في إحدى المواقع الإسلامية الموثوقة هذا الكلام: "هذه الآيات المذكورة، وأمثالها في القرآن كقوله … وقوله: (وبنينا فوقكم سبعا شدادا)، وقوله: ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون )، وقوله تعالى: ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا الآية )، ونحو ذلك من الآيات يدل دلالة واضحة، على أن ما يزعمه ملاحدة الكفرة، ومن قلدهم من مطموسي البصائر ممن يدعون الإسلام: أن السماء فضاء، لا جرم مبني؛ أنه كفر، وإلحاد، وزندقة، وتكذيب لنصوص القرآن العظيم، والعلم عند الله تعالى" . فهل لأنني أردت تصديق العلم والعلماء بأن السماء عبارة عن فضاء يحتوي على الأشعة والغازات، وليس جرما صلبا، هل أصبحت هكذا كافرة؟ وهل هذا الكلام صحيح أفيدوني؟ وكيف يمكننا تفسير آية : (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) مع ضوء المعارف العلمية التي تخبرنا بأن السماء ليست جرماً صلبًا يمكن أن يقع؟ وإن قلنا إن السماء هي جرم صلب، فهذا يضرب بعلوم الفضاء ضرب الحائط، لأن السماء عبارة عن أشعة وغازات لا أكثر، والقول بأنها جرم صلب هو قول خاطئ علميا، فكيف إذا خرج رائدو الفضاء من الأرض إلى الفضاء لو كانت السماء صلبة؟ وكيف تخرج الأقمار الصناعية إن كانت صلبة؟ وكيف بإمكاننا التوفيق بين الآيات التي ذكرتها سابقا، وبين المعارف العلمية التي تخبرنا أن السماء ليست جرمًا صلبًا؟
السموات مبينة ولها أبواب وليست فضاء أو غازا
السؤال: 340218
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
السماء تطلق ويراد بها أمران:
1-العلو، فكل ما علاك فهو سماء، وعلى هذا فيسمى الفضاء الذي نراه فوقنا سماء.
2-السموات المبنية، وهي سبع سموات، وقد دل القرآن والسنة على أنها مبنية، وأن لها أبوابا، وأنها سبع سموات، وفوقها الماء، ثم الكرسي، ثم العرش.
قال تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا النازعات/27، 28
وقال تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الذاريات/47.
وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ الملك/3.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ الأعراف/40.
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ هود/7.
وقال تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ البقرة/255.
وفي حديث الإسراء والمعراج: فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ… وذكر استفتاح السماء السادسة وأن فيها موسى عليه السلام، والسابعة وفيها إبراهيم عليه السلام. رواه البخاري (3887)، ومسلم (162) من حديث أنس رضي الله عنه.
فالسموات مبنية، لها أبواب، ولا يدخلها أحد إلا بإذن، ومن كذب ذلك فقد كذّب القرآن والسنة، لكن إن كان جاهلا لم يكفر حتى تقام عليه الحجة.
والكلام المنقول في السؤال أعلاه، هو نص كلام العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله. قال:
" هَذِهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَأَمْثَالُهَا فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ [22 \ 65] وَقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [35 \ 41] وَقَوْلِهِ: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ [34 \ 9] وَقَوْلِهِ: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا، [78 \ 12] وَقَوْلِهِ: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [51 \ 47] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا الْآيَةَ [21 \ 32] ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ:
يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً، عَلَى أَنَّ مَا يَزْعُمُهُ مَلَاحِدَةُ الْكَفَرَةِ، وَمَنْ قَلَّدَهُمْ مِنْ مَطْمُوسِي الْبَصَائِرِ، مِمَّنْ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ؛ أَنَّ السَّمَاءَ فَضَاءٌ، لَا جُرْمٌ مَبْنِيٌّ: أَنَّهُ كُفْرٌ وَإِلْحَادٌ وَزَنْدَقَةٌ، وَتَكْذِيبٌ لِنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى "انتهى من "أضواء البيان" (5/297).
والعلم الحديث لم يصل للسماء الدنيا قطعا، لا رواد الفضاء ولا غيرهم، وليس لأحد أن ينفي ما لم يصل إليه، وكم أنكر الناس من شيء ثم ثبت لهم! ووجود الفضاء والكواكب والمجرات، لا ينفي وجد السموات فوق ذلك، ولا ينفي وجود الماء، والعرش، فهل ننكر العرش لأن العلم ينكره أو لم يثبته؟!
وكثير من علماء الطبيعة ينكرون الخالق جل وعلا، فهل يُلتفت لهذا؟!
والله تعالى يخبر عن جهل من يكذّب بأشياء لا يعلمها، قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ يونس/39.
وهناك فرق بين النظريات والفرضيات، وبين الحقائق العلمية، والنصوص لا تعارض الحقائق العلمية، وليس هناك حقيقة علمية تنفي كون السماء مبنية.
وأما النظريات فكثيرة، والعلماء مستمرون في اكتشاف العالم، ويتبدّى لهم كل يوم ما كان خافيا عنهم بالأمس.
وينظر للفائدة فيما تم اكتشافه حديثا بالنسبة للسماء:
https://bit.ly/3mWaejf
و
https://bit.ly/3hi1i6Q
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب