آمل توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة :(فاختص على ذلك أو ذر).
ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة :”فاختص على ذلك أو ذر “؟
السؤال: 363008
ملخص الجواب
جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة بالنهي عن الاختصاء، وهو محرم في بني آدم بالإجماع .والحديث الذي أورده السائل وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ). ليس فيه إذن بالاختصاء ، وإنما على سبيل التهديد والوعيد . وينظر للأهمية تفصيل ذلك في الجواب المطول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة بالنهي عن الاختصاء، وهو محرم في بني آدم بالإجماع .
روى البخاري في "صحيحه" (5071)، ومسلم في "صحيحه" (1404)، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:" كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ".
قال أبو العباس القرطبي في "المفهم" (12/127) :" وقوله : (ألا نستخصي) ؛ أي : نستدعي من يفعل الخصاء ، أو نحاول ذلك بأنفسنا ، وقد تقدَّم تفسير الخصاء .
وقوله : (فنهانا عن ذلك) ؛ هذا النهي على التحريم ، ولا خلاف في تحريم ذلك في بني آدم ؛ لما فيه من الضرر وقطع النّسْل ، وإبطال معنى الرجولية ". اهـ
وأما الحديث الذي أورده السائل فقد أخرجه البخاري في "صحيحه" (5076) معلقا ، فقال : وقال أصبغ : أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ:" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي العَنَتَ، وَلاَ أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي ، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي ، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ .
وأصبغ بن الفرج من شيوخ البخاري، وقد علقه عنه بصيغة الجزم .
وقد وصله من طريق أصبغ الفريابيُ في "القدر" (537) ، فقال حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ ، أَخْبَرَنِي أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ به .
وأخرجه النسائي في "سننه" (3215)، من طريق الأوزاعي، عن الزهري به. وقال " وهذا حديث صحيح " .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ ، فإنه جاء على سبيل التهديد، وليس على سبيل التخيير والإذن في فعل الخصاء ، فإنه محرم كما قدمنا .
وعلى هذا اتفق شراح الحديث.
قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/299) :" ولذلك قال لأبى هريرة حين أراد أن يختصي خشية الزنا على نفسه: ( قد جف القلم بما أنت لاق ؛ فاختصِ على ذلك أو ذر ) ، فعرفه أنه لا يعدو ما جرى به القلم عليه من خير أو شر ، فإنه لا بد عامله ومكتسبه ، فنهاه عن الاختصاء بهذا القول الذى ظاهره التخيير ، ومعناه: النهى والتبكيت لمن أراد الهروب عن القدر، والتعريف له: أنه إن فعل ، فإنه أيضًا من القدر المقدور عليه فيما جف به القلم عليه )انتهى.
وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل" (3/521):" وَإِنَّمَا ذكر الْقدر ليمنعه من ذَلِك الْفِعْل . وَالْمعْنَى: مَا تقدر أَن تخرج على الْمَقْدُور.
وَقَوله: ( فاختصِ ) لَيْسَ بِأَمْر ، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: إِن فعلت، أَو لم تفعل: فلابد من نُفُوذ الْقدر ". انتهى.
وقال ابن هبيرة في "الإفصاح" (7/291) :" هذا نطق يفصح بالوعيد والتهديد ؛ ليكون ذلك زجرًا له ولغيره من بعده ، وليس إذنًا في الاختصاء"انتهى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (9/119) :" لَيْسَ الْأَمْرُ فِيهِ لِطَلَبِ الْفِعْلِ، بَلْ هُوَ لِلتَّهْدِيدِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر ) ، وَالْمَعْنَى: إِنْ فَعَلْتَ أَوْ لَمْ تَفْعَلْ، فَلَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْقَدَرِ ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِحُكْمِ الْخِصَاءِ .
وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ: أَنَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ ، فَالْخِصَاءُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ ، فَإِن الَّذِي قُدِّرَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ .
وَقَولُهُ : ( عَلَى ذَلِكَ ) : هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ ، أَيِ اختصِ حَالَ اسْتِعْلَائِكَ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ، وَلَيْسَ إِذْنًا فِي الْخِصَاءِ ، بَلْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاخْتِصَاءِ " انتهى.
وقال السندي في "حاشيته على سنن النسائي" (6/59) :" قوله : ( فاختصِ على ذلك أو دع ): ليس من باب التخيير بل التوبيخ ، كقوله تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ، أي : إن شئت قطعت عضوك بلا فائدة ، وان شئت تركته "انتهى.
وقال المظهري في "المفاتيح شرح المصابيح" (1/190) :" ( فاختص ): ليس ذلك إذنًا منه – عليه السلام – لأبي هريرة في الاختصاء ؛ بل قال ذلك على وجه اللوم والتوبيخ على قطع عضو عن نفسه من غير فائدة ، وهذا كقوله تعالى: " اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " ؛ يُسمَّى هذا الأمرُ: تهديدًا ووعيدًا "انتهى.
فتبين مما سبق أن الحديث ليس فيه إذن بالاختصاء ، وإنما على سبيل التهديد والوعيد .
وللاستزادة عن حكم الاختصاء ، والتبتل وترك النكاح يمكن مراجعة الأجوبة (126987)، (225012)، (87998) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة