0 / 0

استخدام (ما) بمعنى (من)، وتفسير قوله تعالى: (والسماء وما بناها).

السؤال: 367046

سؤالي هو لغوي نحوي: تستعمل مفردة (ما) في القران الكريم ويقصد بها (من)، مثال قوله تعالى : (والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفس وما سواها)، حيث قرأت معنى (ما) في التفاسير أنها تعني (من)، أي يقسم رب العزة بذاته، أيضاً قوله في سورة البقره : (إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي)، وأيضا: (لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد)،وقوله (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض)
سؤالي:
لماذا يفرق بين المفردتين وهما بنفس المعنى ؟ وما الفائدة من هذا؟

الجواب

أولًا :

(ما) تحتمل عدة معان في اللغة العربية

(ما) من الأدوات التي تحتمل عدة معانٍ في العربية، أوصلها بعضهم إلى اثني عشر معنى ، والغالب عليها أن تأتي لما لا يعقل .

انظر : “الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها”(ص: 125)، “التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل” (3/ 128)، “المساعد على تسهيل الفوائد” (1/ 165).

ثانيًا :

مجي (ما) بمعنى (من)

للعلماء في مجيء (ما) بمعنى (من) قولان :

الأول : أنها تأتي بمعنى (من) ، كقوله تعالى: وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أي ومن خَلَق، وكذلك قوله تعالى: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ، إلى قوله: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا: أي ومن سوَّاها ، وأهل مكة يقولون إذا سمعوا صوت الرَّعد: سبحان ما سبحت له الرَّعد ، أي من سبحت له الرعد.

انظر : “فقه اللغة وسر العربية: (ص: 252 – 253).

وقال بعضهم: إنَّها لا تقع على ما يعقل، وإنما على صفات من يعقل .

الثاني : أنَّها تؤول بمعنى المصدر ، فيقولون : والسماء وبنائها، كما تقول: بلغني ما صنعتَ ، أي: صنيعُكَ؛ لأن “ما” إذا وُصلت بالفعل كانت بمعنى المصدرِ.

انظر : “الأصول في النحو”(2/136).

قال الإمام ابن يعيش : “وأمّا “مَا”، فتكون موصولة بمعنى “الذِي”، تحتاج من الصلة إلى مثلِ ما تحتاج وهي مبنيةٌ، لِما ذكرناه في “مَنْ”، من أنها هي وما بعدها اسمٌ واحدٌ، فكانت كبعضِ الاسم.

وهي تقع على ذواتِ ما لا يعقل، وعلى صفاتِ من يعقل.

قال الله تعالى: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) ، أي: يُذاب ما في بطونهم، وجلودُهم، وقال: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا، فأوقع “مَا” على ما كانوا يعبدون من الأصنام. وقال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ.

وقد ذهب بعضهم إلى أنها تقع لِما يعقل بمعنَى “مَنْ”، واحتجّ بقوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى، وبقوله: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5). وحكى أبو زيد من قول الِعرَب: “سبْحَانَ مَا سَخرَكُن لنا”، فأجرى “مَا” على القديم سبحانه.

وهذاَ ونحوُه محمول عَندنا على الصفة، وقد ذكرنا أنّها تقع على صفاتِ من يعقل، فقولُه: مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ، بمعنَى: الطَيب منهن. وقولُه: وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا، بمعنَى: البانِي لها في أحدِ القولَين، والقولُ الآخر أن يكون بمعنى المصدر، أي: وبِنائِها. وقولُهم: “سبحانَ ما سخركن لنا” بمعنَى المُسخر.

ومهما جاء من ذلك، فمتأوَّلٌ على ما يَرجِعه إلى ما أصّلنا” انتهى من ” شرح المفصل”(2/380)

انظر : “شرح المفصل لابن يعيش ” (2/ 381)، وانظر : “التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل” (3/ 128).

وقد توسع الدكتور فاضل السامرائي في كتابه “معاني النحو (1/ 130)” في ذكر ما يتعلق بـ “ما”، ومما ذكره في ذلك:

“وتقع على ذوات ما لا يعقل، وعلى صفات من يعقل، فمن الأول قولك (آكل ما تأكل) و(أعجبني ما قدمته لي) قال تعالى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا [طه: 69]، فما في يمينه هي العصا، وما صنعوه هو أفاعيهم المتخيلة وهذا لغير العاقل.

ومن الثاني قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى [النساء: 3]، قالوا أي الطيب منهن، وقال: والسماء وما بناها * والأرضِ وما طحاها * ونفسٍ وما سواها [الشمس: 5 – 7]، أي والباني ، وكذا ما بعده، وقال: ولا أنتم عابدون ما أعبد [الكافرون: 3]، أي معبودي.

فالفرق بين (ما)، و(من): أن (من) مختصة بالعقلاء، ولا تنفرد لغير العقلاء، إلا على سبيل تنزيله منزلة العاقل.

وأما (ما) فهي تقع لذوات ما لا يعقل، ولصفات العقلاء”، انتهى.

ثالثًا :

كلام أهل التفسير في أن (ما) تأتي بمعنى (من)

والذي يجري على أقوال أهل التفسير أن (ما) أتت بمعنى (من)، وجوَّزوا الوجه الثاني .

 قال “ابن جرير” في ” تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (24/ 437)”: “وقوله: والسماء وما بناها [الشمس: 5]، يقول جل ثناؤه: والسماء ومن بناها، يعني: ومن خلقها، وبناؤه إياها: تصييره إياها للأرض سقفًا”.

وجوَّز وجه المصدرية أيضًا ، فقال في “تفسيره (24/ 438)” :

“عن مجاهد، قوله: والسماء وما بناها [الشمس: 5] قال: الله بنى السماء.

وقيل: وما بناها [الشمس: 5]، وهو جل ثناؤه بانيها، فوضع (ما) موضع (من)، كما قال ووالد وما ولد [البلد: 3]، فوضع (ما) في موضع (من) ومعناه، ومن ولد، لأنه قسم أقسم بآدم وولده، وكذلك: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [النساء: 22]، وقوله: فانكحوا ما طاب لكم [النساء: 3]؛ وإنما هو: فانكحوا من طاب لكم.

وجائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر، كأنه قال: والسماء وبنائها، ووالد وولادته “، انتهى .

وانظر : تفسير الثعلبي “الكشف والبيان عن تفسير القرآن” ط دار التفسير (10/ 27)، “التفسير البسيط” (6/301)، (24/53).

وجعلهما “ابن كثير” متلازمين ، قال : “وقوله: والسماء وما بناها : يحتمل أن تكون “ما” هاهنا مصدرية، بمعنى: والسماء وبنائها. وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى “من” ، يعني: والسماء وبانيها. وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم “، انتهى من “تفسير ابن كثير” ت سلامة (8/ 411).

رابعًا :

فائدة بلاغية في كون (ما) أتت بمعنى (من)

أتت (ما) بمعنى (من) لنكتة بلاغية، وهي التفخيم.

قال “ابن يعيش” : “وقوله تعالى: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، ففيه قولان: أحدهما: أن “ما” فيه بمعنَى “مَنْ”، والمراد: والسماءِ ومَن بناها. والقولُ الثاني: أنّ “ما” مع الفعل بمعنى المصدر، والمراد: وبنائها، فالقَسَمُ إذا بالسماء وبنائها، أقسم الله تعالى بهما تفخيمًا لأمرهما”، انتهى من “شرح المفصل لابن يعيش” (5/ 86).

أو لإرادة الوصفية تفخيمًا أيضًا ، قال “ابن جزي” :”فإن قيل: لم عدل عن (من) إلى قوله (ما) في قول من جعلها موصولة؟

فالجواب : أنه فعل ذلك لإرادة الوصفية ، كأنه قال والقادر الذي بناها “، تفسير ابن جزي “التسهيل لعلوم التنزيل” (2/486)، وانظر “تفسير الرازي”(31/176)، “تفسير أبي السعود” (9/163).

قال “ابن عجيبة” : “ومَن بناها، وإيثار ” ما ” على ” مَنْ ” لإرادة الوصفيّة تفخيمًا”، انتهى ، “البحر المديد في تفسير القرآن المجيد”(7/309).

وقال ابن عاشور في “التحرير والتنوير (30/582): ” في قوله تعالى : (ولا أنتم عابدون ما أعبد) : “وعبر بـ (ما) الموصولة لأنها موضوعة للعاقل وغيره من المختار، وإنما تختص (من) بالعاقل، فلا مانع من إطلاق (ما) على العاقل إذا كان اللبس مأمونًا.

وقال السهيلي في الروض الأنف : أن (ما) الموصولة يؤتى بها لقصد الإبهام، لتفيد المبالغة في التفخيم، كقول العرب: سبحان ما سبح الرعد بحمده، وقوله تعالى: (والسماء وما بناها) كما تقدم في سورة الشمس “انتهى .

خامسًا :

كلام ابن القيم في استخدام (ما) في سورة الشمس

توسع الإمام ابن القيم في “بدائع الفوائد”(1/233) بكلام حول إيثار استخدام (ما) بكلام نفيس طويل يحسن الرجوع إليه ، وسننقل منه ما يتعلق بسورة الشمس ، قال رحمه الله : “قوله تعالى: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) [الشمس: 5]؛ لأن القَسَم تعظيم للمُقْسَم يه، واستحقاقه للتعظيم من حيث بنى وأظهر هذا الخلقَ العظيمَ الذي هو السماء، ومن حيث سواها بقدرته، وزينها بحكمته؛ فاستحق التعظيم وثبتت قدرته، فلو قال: “ومن بناها”، لم يكن في اللفظ دليل على استحقاقه للقسم به، من حيث اقتدر على بنائها، ولكان المعنى مقصورًا على ذاته ونفسه، دون الإنحاء إلى أفعاله الدالة على عظمته، المنبئة عن حكمته، المفصِحَة باستحقاقه للتعظيم من خليقته.

وكذلك قولهم: “سبحان ما يسبحُ الرعد بحمده”؛ لأن الرعد صوت عظيم من جِرم عظيم، والمسبَّح به لا محالة أعظم، فاستحقاقه للتسبيح من حيث سبَّحته العظيمات من خلقه، لا من حيث كان يعلم، ولا تقل: “يعقل” في هذا الموضع.

فإذا تأملت ما ذكرناه، استبان لك قصور من قال: إن “ما” مع الفعل في هذا كلِّه .. في تأويل المصدر، وأَنه لم يَقْدُر المعنى حق قدره، فلا لصناعةِ النحو وُفِّق، ولا لفهم التفسير رُزِق، وأنه تابع الحَزَّ وأخطأَ المَفصِل، وحامَ ولكن ما وَرَدَ المنهل”، انتهى .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android