ما صحة كون الروم ينتسبون إلى إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام؟ وهل حديث : (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ…الخ) الذي رواه مسلم، حديث صحيح؟ أم لأهل العلم كلام فيه ولا يثبت؟
هل الروم من نسل إسحاق بن ابراهيم عليهما السلام؟
السؤال: 391104
ملخص الجواب
أن الروم ينتسبون إلى العيص بن إسحاق فهم من سلالة إسحاق بن إبراهيم، وليسوا هم وحدهم الذين يعتبرون من بني إسحاق، بل هناك أجناس أخرى من غير الروم ينتسبون إلى إسحاق. والحديث المشار إليه ثابت لا إشكال في ثبوته، واللفظة المشكلة فيه، تكلم العلماء على توجيهها بوجوه كثيرة مفصلة. وليس في الحديث ما يدل صراحة على أن الجيش ليس فيه إلا بنو إسحاق، فيحتمل وجود العرب معهم، وقد يكونون هم الأقل
Table Of Contents
انتساب الروم إلى إسحاق بن إبراهيم
أما كون الروم ينتسبون إلى إسحاق بن إبراهيم، فهذا هو المنصوص عليه في كثير من كتب التاريخ والأنساب، وأكثرهم ينصون على أنهم ينتسبون إلى العيص بن إسحاق كما تجده عند الطبري في تاريخه (1/577)، وعند ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (3/97)، وابن كثير في "البداية والنهاية" (19/106)، فإنه قال: "والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام".
وكلام شراح الحديث يدل على أنهم لا يختلفون في أن الروم الموجودين، هم ممن عناهم النبي صلى الله عليه وسلم ببني إسحاق، لكن لا يقتضي ذلك أنه ليس الروم فقط هم بنو إسحاق، بل يحتمل أن يكون له نسل غيرهم كما أشار إليه بعض شراح الحديث، فيما سيأتي بإذن الله.
الجواب على الإشكال الوارد على الحديث
وأما الحديث الذي أشرتَ إليه، فهو جزء من حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه" (2920)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَاإِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَة: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ . فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ. ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ. فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ.
وهو كما ترى مخرج في صحيح مسلم، وتابعه عليه أبو عوانة في مستخرجه، ولم ينتقده أحد من العلماء، فالحديث صحيح ثابت.
لكن استشكل بعض العلماء هذه الجملة وهي قوله: (سبعون ألفاً من بني إسحاق) ووجه الإشكال أن الوصف المذكور للمدينة التي تفتح، ينطبق على أعظم العواصم للروم؛ كالقسطنطينية ـ حسب تفسير أكثر العلماء ـ وقيل بل على روما أو إيطاليا، أو البندقية، وهذه كلها من أخص مدن الروم، والروم هم من بني إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، فكيف يكون فتح القسطنطينية على أيديهم؟
وقد أشار إلى هذا الإشكال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/464) فإنه قال: " كَذَا هُوَ فِي سائر الأُصُول [ أي أصول نسخ صَحِيح مُسْلِم ]: (مِنْ بَنِي إِسْحَاق).: قَالَ بَعْضهمْ : الْمَعْرُوف الْمَحْفُوظ مِنْ (بَنِي إِسْمَاعِيل)، وَهُوَ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ الْحَدِيث وَسِيَاقه؛ لأنَّهُ إِنَّمَا يعني العرب والمسلمين.. اهـ .
لكن هذا الاعتراض من صاحبه غير متجه لعدة أمور نبه عليها المحققون من أهل الحديث؛ فمن ذلك:
- أن هذا هو الثابت في أصول الصحيح، وقد تابع أبو عوانة الإمامَ مسلماً في تخريج هذا الحديث من طريق آخر بنفس السياق، والحكم بتوهيم الثقات بغير دليل سالم معتبر: ليس بمتجه، كيف وللحديث وجه صحيح من المعنى يحمل عليه، وممن نبه على هذا العلامة القرطبي في كتابه "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (7/ 249)، قال: "قوله: (لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق) هكذا صحت الرواية عند الجميع، وفي الأمهات. قال القاضي [ فذكر كلامه السابق]، ثم قال: " قلت: وهذا فيه بُعد؛ من جهة اتفاق الرواة والأمهات على بني إسحاق، فإذًا المعروف خلاف ما قال هذا القائل".
- وأما كون من يفتح هذه المدينة هم من الروم باعتبار أنهم من بني إسحاق، فقد تكلم عن ذلك الحافظ ابن كثير فقال: وقد روى مسلم من حديث الليث بن سعد، حدثني موسى بن علي، عن أبيه، قال: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقوم الساعة والروم أكثر الناس ". فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك». وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم، كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق، والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام" انتهى من "البداية والنهاية" (19/106) باختصار وتصرف يسير,
- ومما يقوي هذا القول أنه ورد في الحديث الصحيح ما يدل على أن كثيرا من الروم يسلمون في آخر الزمان، وأنهم يكونون في جيش المسلمين في أثناء ملاحمهم ضد الروم النصارى كما روى مسلم في صحيحه (2897) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا .. الحديث؟
فقول الروم النصارى للمسلمين : (خلّوا بيننا وبين الذين سبوا منا) روي على وجهين (سُبوا) و(سَبَوْا ) قال النووي : " قُلْت: كِلَاهُمَا صَوَاب، لِأَنَّهُمْ سُبُوا أَوَّلًا، ثُمَّ سَبَوْا الْكُفَّار، وَهَذَا مَوْجُود فِي زَمَاننَا، بَلْ مُعْظَم عَسَاكِر الْإِسْلَام فِي بِلَاد الشَّام وَمِصْر سُبُوا، ثُمَّ هُمْ الْيَوْم بِحَمْدِ اللَّه يَسْبُونَ الْكُفَّار، وَقَدْ سَبَوْهُمْ فِي زَمَاننَا مِرَارًا كَثِيرَة، يَسْبُونَ فِي الْمَرَّة الْوَاحِدَة مِنْ الْكُفَّار أُلُوفًا، وَلِلَّهِ الْحَمْد عَلَى إِظْهَار الْإِسْلَام وَإِعْزَازه اهـ .
فإذا كان ذلك واقعا من عصر الإمام النووي، فكيف بعصرنا الحاضر وقد كثر المسلمون من الروم بغير سبي ولا قتال، بل بظهور قوة هذا الدين وانتصاره بالحجة والبرهان، وإن لم ينتصر بالسيف والسنان، حتى ظهر في الغرب دعوات تحذر من تنامي المد الإسلامي في أوروبا، وتحشد ما تستطيع لإيقافه وصد الناس عنه، والله غالب على أمره ومتم نوره ولو كره الكافرون.
- ومع وضوح هذه الأوجه وقوتها، فقد ذكر القرطبي في الموضع السابق من "المفهم" أنه يمكن أن يراد ببني إسحاق: العرب، ويحمل ذلك على أنه نسبهم إلى عمهم، وأطلق عليهم ما يطلق على ولد الأب، كما يقال ذلك في الخال، حتى قد قيل: الخال أحد الأبوين. وفي هذا نظر ظاهر.
- ومع هذا فليس في الحديث ما يدل على أنه ليس في ذلك الجيش، إلا من هم من بني إسحاق، وإنما فيه أنهم سبعون ألفا من بني إسحاق، ولا يمنع أن يكون معهم غيرهم من العرب، بل لا يمتنع أن يكون معهم غيرهم ممن هم من أبناء أسحاق وليسوا من الروم كما أشار إلى ذلك الملا علي القاري في شرحه للمشكاة (8/3416) حيث نقل عن المظهري قوله: " من أكراد الشام، هم من بني إسحاق النبي – عليه الصلاة والسلام – وهم مسلمون اهـ. قال القاري: " وهو يحتمل أن يكون معهم غيرهم من بني إسماعيل، وهم العرب أو غيرهم من المسلمين، واقتصر على ذكرهم تغليبا لهم على من سواهم".
وبهذا يعلم أن هذه اللفظة ثابتة من جهة الإسناد، ومستقيمة من جهة المتن، وأما سائر الحديث فلا خلاف في ثبوته.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب