تنزيل
0 / 0

حديث وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، هل فيه أشياء صحيحة؟

السؤال: 400032

أريد أن أسأل عن صحة وصايا نبوية موجهة لعلي رضي الله عنه: ( يا علي، لا تجلس بين النيام، ولا تنام بين الجالسين، ولا تضع يدك على خدك، ولا تشبِّك أصابعك، ولا تنهش الخبز مثل اللحم، ولا تأكل الطِّين، ولا تنظر إلى المِرآة ليلًا، ولا تلبس القميص مقلوبًأ، ولا تنفخ في الطعام الحار، ولا في قدح الماء، ولا تنظر إلى ما يخرج منك، ولا تتثاءب إلا ويدك على فمك، ولا تشمَّ طعامك، ولا تكبِّر لقمتك، ولا تأكل في الظلمة) وقد سبق وسألت موقعا آخرا، وأخبروني بأنه حديث مكذوب، فإذا كانت كل هذه الوصايا مجموعة في حديث واحد مكذوبة، فماذا عن كل وصية على حدى، مثال النفخ في الطعام، لأنني وجدت هذا الحديث، وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ” أن النَّبيّ نَهَى أَن يُتنَفَّسَ في الإِنَاءِ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فآمل إجابة مفصلة لكل الوصايا على حدى، لأعرف إذا كان بينها شيء مذكور عن النبي عليه الصلاة والسلام.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا يعلم لهذا الخبر إسناد ثابت، وإنما هو من جنس الأحاديث المكذوبة التي تتداولها كتب الشيعة.

وأما ماورد فيه من وصايا فيوجد لبعضها ما يدل عليها، وبعضها مخالف لأدلة الشرع.

أولا:

فعبارة: “لا تجلس بين النيام، ولا تنم بين الجالسين”.

لا يعرف لها دليل صحيح، وإنما هذا من محاسن الآداب ومن الأعراف الجميلة، ومن صفات المروءة، لأن الإنسان إذا نام وحوله ناس جلوس قد يصدر منه ما يسيء إليه، فقد يخرج منه ريح أو شخير مزعج أو يتكلم في نومه، وكذا الجالس بين النيام قد يحدث منه اطلاع على ما يؤذيهم كما سبق.

ثانيا:

وعبارة: “ولا تضع يدك على خدك”، وكذا النهي عن تشبيك الأصابع.

فهذه عبارة باطلة، ومخالفة لما صح من الأحاديث بجواز تشبيك الأصابع ووضع اليد على الخد، فقد أورد البخاري في صحيحه جملة من أحاديث تشبيك الاصابع تحت باب ” بَابُ تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي المَسْجِدِ وَغَيْرِهِ “، ومن الأحاديث التي ساقها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاَتَيِ العَشِيِّ – قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا – قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى…) رواه البخاري (482)، ومسلم (573).

وإنما ورد النهي عن التشبيك في جملة آداب المشي إلى الصلاة، أو الجلوس في انتظارها. وينظر ما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (36801).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

” تشبيك الأصابع لمن ذهب إلى الصلاة، أو جلس في المسجد ينتظر الصلاة، أو كان في الصلاة منهي عنه، وليس من الأدب، وأما فيما سوى ذلك فلا بأس به، فيجوز أن يشبك الإنسان أصابعه بعد الصلاة لأن ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك حين سلم في إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر قبل أن يتم صلاته، ثم تقدم إلى خشبة معروضة في المسجد واتكأ عليها، وشبك بين أصابعه.

وما يظنه بعض الناس من أن تشبيك الأصابع محظور كل وقت: فهو خطأ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (4/340).

وكذا وضع اليد على الخد، فهذا من العادات التي أصلها الإباحة ولا ينهى عن شيء منها إلا بدليل، وفي الحديث السابق: (وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى).

ثالثا:

وعبارة: “لا تنهش الخبز مثل اللحم”.

فلليس عليها دليل، والأصل في العادات الإباحة.

وللفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (230733).

رابعا:

وعبارة: “ولا تأكل الطِّين”.

فلا يوجد فيه حديث ثابت، وإنما ينهى عن أكل الطين لما فيه من ضرر لعموم النصوص الناهية عن الاضرار بالنفس.

وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (262143).

خامسا:

وعبارة: “ولا تنظر إلى المِرآة ليلًا”.

ليس عليها دليل وإنما هي مما تناولته بعض كتب الأطباء القديمة بلا دليل يعتمد، كما نقله ابن القيم رحمه الله تعالى، حيث قال:

“ورأيت لابن ماسويه فصلا في كتاب ” المحاذير ” نقلته بلفظه، قال:…. ومن نظر في المرآة ليلا فأصابه لقوة، أو أصابه داء: فلا يلومن إلا نفسه” انتهى من “زاد المعاد” (4/ 372–373).

سادسا:

وعبارة: “ولا تلبس القميص مقلوبا”.

ليس عليها دليل صحيح، وإنما عدم لبس الثوب مقلوبا هو أمر من أخلاق المروءة ومحاسن العادات.

سابعا:

وعبارة: “ولا تنفخ في الطعام الحار، ولا في قدح الماء”.

فهذه قد ورد ما يدل عليها.

روى البخاري (153)، و(5630)، ومسلم (267) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغة في النظافة، إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء، فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره عن شربه” انتهى من “فتح الباري” (1/253).

وفي معنى التنفس النفخ بل هو أشد.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” قوله: (فلا يتنفس في الإناء)، زاد بن أبي شيبة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: النهي عن النفخ في الإناء. وله شاهد من حديث ابن عباس عند أبي داود والترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء ، وأن ينفخ فيه).

وجاء في النهي عن النفخ في الإناء عدة أحاديث، وكذا النهي عن التنفس في الإناء؛ لأنه ربما حصل له تغير من النفَس، إما لكون المتنفس كان متغير الفم بمأكول مثلا، أو لبعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفس يصعد ببخار المعدة، والنفخ في هذه الأحوال كلها أشد من التنفس” انتهى من “فتح الباري” (10/92).

ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم: (100204).

ثامنا:

وعبارة “ولا تشمَّ طعامك”.

إن كان الشم على صفة يقرب فيها أنفه من الطعام، ويحصل منه التنفس، فهذا في حكم التنفس في الطعام المنهي عنه كما سبق بيانه.

وأما إن كان على صفة لا يتنفس فيها في الطعام كأن يشم البخار البعيد عن الطعام، فهذا لا بأس به لأنه لا يعرف فيه نهي.

تاسعا:

وعبارة: “ولا تتثاءب إلا ويدك على فمك”.

فهذه عبارة صحيحة، فقد روى البخاري (6226)، ومسلم (2994) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ).

وروى مسلم (2995) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ).

عاشرا:

وأما عبارة: “ولا تنظر إلى ما يخرج منك”.

فالظاهر أن المقصود منه البول والغائط، وهذا النهي لا نعرف عليه حديث صحيح، لكن لا شك أن هذا من الآداب الحسنة، فلا يليق بالإنسان أن ينظر إلى هذه الأمور إلا لحاجة، كمثل المريض الذي يظهر أثر مرضه في بوله فينظر ليتابع حالته، ونحو هذا.

الحادي عشر:

وعبارة: “ولا تكبِّر لقمتك”.

كذلك لم يرد بها حديث صحيح، لكن تصغير اللقمة على وجه غير مبالغ فيه، مستحسن؛ لأنه وفق الأدب الحسن وموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما يشير حديث كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا” رواه مسلم (2032).

فاللقمة المأخوذة بثلاث أصابع لا تكون كبيرة عادة.

قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:

” ويسن أن يصغر اللقم، ويجيد المضغ. قال الشيخ تقي الدين: إلا أن يكون هناك ما هو أهم من إطالة الأكل، على أن هذه المسألة لم أجدها مأثورة ولا عن أبي عبد الله – أي الإمام أحمد – ” انتهى من “الآداب الشرعية” (3/162).

وإنما ينهى عن تكبير اللقمة إذا كانت كبيرة على وجه يضر بالنفس بحدوث غصة، أو كان تكبير اللقمة حال كونه يأكل مع جماعة، لأنه في معنى الجشع والاستئثار على الغير. وفي حديث جَبَلَة بْن سُحَيْمٍ، قَالَ: ” أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَرَزَقَنَا تَمْرًا، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ، وَيَقُولُ: لاَ تُقَارِنُوا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ القِرَانِ.

ثُمَّ يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ” رواه البخاري (5446)، ومسلم (2045).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

” الشيء الذي جرت العادة أن يؤكل واحدة واحدة كالتمر، إذا كان معك جماعة فلا تأكل تمرتين جميعا؛ لأن هذا يضر بإخوانك الذين معك، فلا تأكل أكثر منهم إلا إذا استأذنت، وقلت: تأذنون لي أن آكل تمرتين في آن واحد، فأذنوا لك؛ فلا بأس…

أما إذا كان الإنسان وحده فلا بأس أن يأكل التمرتين جميعا، أو الحبتين مما يؤكل أفرادا جميعا؛ لأنه لا يضر بذلك أحدا، إلا أن يخشى على نفسه من الشرق أو الغصص، فإن العامة يقولون: من كبر اللقمة غص، فإذا كان يخشى أنه لو أكل تمرتين جميعا أو حبتين جميعا مما يؤكل أفرادا أن يغص فلا يفعل؛ لأن ذلك يضر بنفسه، والنفس أمانة عندك لا يحل لك أن تفعل ما يؤذيها أو يضرها” انتهى من “شرح رياض الصالحين” (4/ 217–218).

الثاني عشر:

وعبارة: “ولا تأكل في الظُّلمة “.

ليس عليها دليل، وإنما هي أيضا من جملة الآداب الحسنة؛ لأن الأكل في الظلام قد يتضرر به الآكل، فربما سقط شيء مستقذر في الأكل كالحشرات ونحوها، وربما أصابته غصة، فلا يستطيع رؤية الماء ونحو هذا.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android