0 / 0

دلالة الاقتضاء واللزوم في حديث ( مَنْ لَقِيَ الله لَا يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَةَ )

السؤال: 401851

أريد توضيحا لقول شارح كتاب التوحيد عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، في باب “من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب”: ‌”اقتصر ‌على ‌نفي ‌الشرك؛ لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء، واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم؛ إذ من كذب رسل الله فقد كذب الله، ومن كذب الله فهو مشرك، فالمراد من مات حال كونه مؤمنا بجميع ما يجب الإيمان به إجمالا في الإجمالي، وتفصيلا في التفصيلي”.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:

دلالة ‌الاقتضاء، وهي: أن يتضمن الكلام إضمارًا ضروريًا لا بد من تقديره؛ لأن الكلام لا يستقيم دونه:

أ- إما لتوقف الصدق عليه، كقوله – صلى الله عليه وسلم -: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان)، فإن ذات الخطأ والنسيان لم يرتفعا، فيتضمن تقدير رفع الإثم أو المؤاخذة؛ لتوقف الصدق على هذا التقدير.

ب- وإما لتوقف الصحة عليه عقلاً، مثل: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)يوسف/82؛ أي: أهل القرية.

جـ-وإما لتوقف الصحة عليه شرعًا، كقول القائل: (اعتق عبدك عني وعلى ثمنه)، فلا بد من تقدير الملك السابق، فكأنه قال: (بعني عبدك وأعتقه عني).

القسم الثاني:‌‌ دلالة الإشارة: وهي: أن يدل اللفظ على معنى ليس مقصودًا باللفظ في الأصل ولكنه لازم للمقصود، فكأنه مقصود بالتبع، كاستفادة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر من قوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا)الأحقاف/15، مع قوله تعالى: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) لقمان: /14.

انظر: “البحر المحيط في أصول الفقه” (5/ 122)، “القواعد”، للحصني (3/ 191)، “معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة” (447).

ثانيًا:

‌دلالة ‌الالتزام، هي: دلالة اللفظ على ما هو خارج حقيقة عن المسمَّى، لكنه لازِم له، كدلالة (إنسان)، على كونه ضاحكًا.

وهي قسيمة دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، فالمطابقة دلالة اللفظ على تمام المعنى، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، والتضمن دلالة اللفظ على جزء مسماه، كدلالة الإنسان على الحيوان وحده أو الناطق وحده، والالتزام دلالة اللفظ على خارج من مسماه، كدلالة الإنسان على الكاتب أو الضاحك.

انظر: “البحر المحيط في أصول الفقه” (2/269)، “الفوائد السنية في شرح الألفية” (2/780).

ثالثًا:

العبارة المذكورة في السؤال نقلها المؤلف عن “فتح الباري”، للحافظ ابن حجر العسقلاني، في شرح حديث أنس قال: ذكر لي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لمعاذ: ( مَنْ لَقِيَ الله لَا يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَةَ ).

قال: “اقتصر على نفي الشرك، لأنّه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ويستدعي إثبات ‌الرسالة ‌باللزوم؛ لأن من كذب رسل الله فقد كذب الله، ومن كذب الله فهو مشرك”، انظر: “فتح الباري” (1/228).

ويبدو أن المراد هنا ليس هو “دلالة الاقتضاء” بمعناها الاصطلاحي الأصولي؛ وإنما المراد أن “نفي الشرك” المنصوص عليه في الحديث: “يقتضي”: إثبات التوحيد.

ومعنى الكلام: أن الحديث اقتصر على نفي الشرك، وهو قوله: (لا يشرك)، لأن “عدم” الإشراك بالله في أعمال الطاعة، يتقتضي – ضرورة – أن تقع هذه الأعمال خالصة لوجه الله؛ إذ لا تخلو النفس عن “عمل”، فإنها لا تسكن أبدا، بل لا بد لها من “حركة” و”عمل”؛ والإنسان: حارث، همام. فإذا انتفى عنها وصف الشرك، اقتضى ذلك: أن أعمالها تقع خالصة لله.

ويستدعي لزومًا (أي: بدلالة العقل) إثبات أن الله أرسل للناس رسولًا يدعوهم إلى التوحيد، ويبعدهم عن الشرك، ويبين لهم أسبابه ليجتنبوها، فمن كذب الرسل، كذب الله، ومن كذب الله فهو كافر، والكافر: قد انتفى التوحيد عنه.

ففي قوله: (لا يشرك):

1- إثبات للتوحيد، وإفراد الله بالعبادة.

2- إثبات للإيمان بالرسول.

وللفائدة، انظر “عمدة القاري شرح صحيح البخاري” (2/209).

وقد نقل هذه العبارة الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب، في “تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد” (93 – 94). قال:

«وهو كقولك: من توضأ صحت صلاته، أي مع سائر الشروط، فالمراد من مات حال كونه مؤمنًا بجميع ما يجب الإيمان به إجمالاً في الإجمالي، وتفصيلاً في التفصيلي”، انتهى.

وقال الشيخ “الغنيمان” في شرحه: ” يعني: أن قوله: (يعبد الله ولا يشرك به شيئًا) يستدعي فعل كل ما جاء به الرسول؛ لأن هذا أمر معلوم، يعني: فلا يقل قائل: إن هذا ليس فيه ذكر الصلاة، ولا الصوم، ولا الحج، ولا كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا).

فالعبادة هي أن تفعل ما أمرك الله جل وعلا به على لسان رسوله، وتترك ما نهاك عنه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا بد في عبادة الله أن تكون مع الذل والخضوع والتعظيم، وترك ما نهى عنه مع الرجاء والخوف، فتخاف أنك لو كنت مجرمًا أن يعاقبك، وترجو إذا تركته أن يثيبك، هذه هي العبادة”  انتهى من “شرح فتح المجيد للغنيمان” (8/10 بترقيم الشاملة).

رابعًا:

وأما قوله: “إجمالًا في الإجمالي، وتفصيلًا في التفصيلي”، فإن الإيمان ينقسم إلى:

1- إيمان إجمالي.

2- إيمان تفصيلي.

يقول “ابن تيمية”: “لا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول ‌إيمانًا ‌عامًّا ‌مجملًا، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل: فرض على الكفاية؛ فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله، وداخل في تدبر القرآن، وعقله وفهمه، وعلم الكتاب والحكمة، وحفظ الذكر، والدعاء إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ونحو ذلك – مما أوجبه الله على المؤمنين – فهو واجب على الكفاية منهم.

وأما ما يجب على أعيانهم: فهذا يتنوع بتنوع قُدَرِهم ومعرفتهم وحاجتهم، وما أمر به أعيانهم؛ فلا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم، أو عن فهم دقيقه؛ ما يجب على القادر على ذلك. ويجب على من سمع النصوص وفهمها، من علم التفصيل؛ ما لا يجب على من لم يسمعها. ويجب على المفتي والمحدث والمجادل، ما لا يجب على من ليس كذلك”، انتهى، من “مجموع الفتاوى” (3/312).

ويقول شيخ الإسلام أيضا : “من لقي الله بالإيمان بجميع ما جاء به الرسول، مُجملًا، مُقِرًّا بما بلغه من تفصيل الجملة، غيرَ جاحد لشيء من تفاصيلها؛ أنه يكون بذلك من المؤمنين؛ إذ الإيمان بكل فرد من تفصيل ما أخبر به الرسول، وأَمَر به: غيرُ مقدور للعباد، إذ لا يوجد أحد إلا وقد خفي عليه بعض ما قاله الرسول”. انتهى من “التسعينية” (1/210).

وينظر أيضا: “مجموع الفتاوى” (20/99)، “الإيمان باليوم الآخر وأثره على الفرد والمجتمع”، (86)، “مختصر الصواعق المرسلة” (168)، “المفيد في مهمات التوحيد” (89).

“وهذا الإيمان المجمل لا يُشترط فيه العلم بمعنى كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا ريب فيه. فكل من اشتبه عليه آية من القرآن، ولم يعرف معناها وجب عليه الإيمان بها، وأن يكل معناها إلى الله تعالى، فيقول: الله أعلم وهذا متفق عليه بين السلف والخلف.

قال ابن أبي العز: “ولا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانا عاما مجملا، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية”.

والإيمان المجمل ليس كالإيمان المفصل، فإن  “الإيمان الذي يجب على من عرف ما أخبر به الرسول – صلى الله عليه وسلم – مفصلا، ليس مثل الذي يجب على من عرف ما أخبر به مجملا، فإنه لا بد في الإيمان من تصديق الرسول في كل ما أخبر … لكن من صدق الرسول، ومات عقب ذلك، لم يجب عليه من الإيمان غير ذلك”.

فالإيمان المجمل: هو القدر الذي لا يقبل نقصا، فأي نقص فيه، يعني انخرام أصل الدين. والإيمان المفصل: يشمل المعنى السابق للإيمان المجمل مضافا إليه الالتزام بما بلغه من الشرائع، والانقياد لها”، انتهى.

انظر: “الإيمان باليوم الآخر وأثره على الفرد والمجتمع”، د. مازن عيسى(87)، وانظر: مصادره.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android