هل يوجد تباين بين الحديث الشريف بأن أهل النار ذات أجسام ضخمة، حيث ضرس أحدهم كجبل أحد، وفي سورة الأعراف بأن أصحاب الأعراف يعرفون أصحاب النار بسيماهم، أي أحجامهم لم تتغير، فهل هذا اختلاف بين السنة الشريفة وكتاب الله؟
هل يوجد تعارض في النصوص الدالة على ضخامة أهل النار؟
السؤال: 436392
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
الحديث المسؤول عنه هو ما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ضِرْسُ الْكَافِرِ -أَوْ نَابُ الْكَافِرِ- مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ) أخرجه مسلم (2851).
قال القاضي: “يزاد في مقدار أعضاء الكافر، زيادة في تعذيبه، بسبب زيادة المماسة للنار” انظر: “مرقاة المصابيح” (9/3616).
وقال النووي: “وكل هذا مقدور لله تعالى، يجب الإيمان به، لإخبار الصادق المصدوق به. والضرس من الأسنان: الطاحونة التي يأكل عليها الإنسان، وهي في أطراف الفم. والناب التي تلي الأضراس، وهي التي يفترس بها السباع” انتهى، من “شرح النووي على مسلم” (17/186).
ثانيا:
قد ورد في هيئة الكفار، ما يخالف ذلك:
ففي سنن الترمذي (2492) وغيره: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ ) قال الترمذي: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ”.
واختلف في الجمع بينهما:
فذهب القرطبي إلى أن العظم المذكور لا يكون للكفار جميعا، بل لبعضهم دون بعض. قال: “إنَّما عظم خلقه ليعظم عذابه، ويتضاعف.
وهذا إنَّما هو في بعض الكفار، بدليل أنَّه قد جاءت أحاديث آخر تدل على أن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يساقون إلى سجن في جهنم” انتهى، من “المفهم” (7/188)، وانظر: “إتحاف السادة المتقين” (8/343).
وقيل إن هذا يختلف بحسب المقامات يوم القيامة.
قال في “الكوكب الوهاج” (25/536) عن حديث (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ) أخرجه الترمذي(2492)، وأحمد(6677): “جمع بعض العلماء بينه وبين حديث الباب: بأن كونهم كالذر في أول الأمر عند الحشر، وهو كالعلامة على حقارتهم، وحديث الباب محمول على ما بعد الاستقرار في النَّار.
وقيل: إن المراد في حديث عمرو بن شعيب: المتكبرون من المؤمنين، وفي حديث أبي هريرة الكافرون.
وقيل: يتفاوت عذاب أهل النَّار، فمنهم من يكون مثل الذر، ومنهم من يعظم جسمه على ما ذكر في حديث الباب والله أعلم” انتهى.
ثالثاً:
جواب التعارض الظاهري بين هذا الحديث وبين قوله تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَالأعراف/48: أن تضاؤل الحجم، أو تضخم الحجم: لا يمنع تمييز الشخص، ومعرفته بسيماه؛ فأكثر السمات المميزة تكون في الوجه، والتضاؤل أو الضخامة لا يمنعان تمييز الوجه والملامح.
قال ابن المنير عن الذين يخرجون من النار من أهل الشفاعة: “وجوههم لا تؤثر فيها النار؛ فتبقى صفتها باقية” انتهى من “كوثر المعاني الدراري” (9/326).
وهذا يشهد لمعنى أن تمييز السيما إنما يكون بالوجوه.
قال ابن عاشور، رحمه الله: ” والسيما هنا: يتعين أن يكون المراد بها المشخصات الذاتية، التي تتميز بها الأشخاص، وليست السيما التي يتميز بها أهل النار كلهم، كما هو في الآية السابقة”. انتهى، من “التحرير والتنوير” (8/145).
وانظر جواب الأسئلة رقم: (6974)، (150768).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة