قال تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍۢ مِّمَّا تَعُدُّونَ)، أود أن أعرف هل هذا يشملُ أيضًا عذاب القبر وعذاب النار، اليوم = 1000 سنة؟
هل في البرزخ والنار أيام، يعدّ كل واحد منها بألف سنة؟
السؤال: 477073
ملخص الجواب
ورد في نصوص الوحي أن اليوم في تدبير الله تعالى بمقدار ألف سنة مما يعدّه الناس. وثبت أن يوم الحساب مقداره خمسين ألف سنة. وأما البرزخ فلم يرد ما يدل على أن فيه أياما بمقدار ألف سنة. وأما مكث أهل النار في النار، فلم يرد ما يدل على أنه تمر عليهم فيها أيام مقدرة كما هو حال أهل الدنيا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قال الله تعالى: ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) الحج/47.
وقال الله تعالى: ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) السجدة/5.
ذهب جمع من أهل العلم إلى أن هذا التقدير متعلق بتدبير الله تعالى لأمر الدنيا.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” وقوله: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ )، أي: هو تعالى لا يعجل، فإن مقدار ألف سنة عند خلقه، كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حكمه، لعلمه بأنه على الانتقام قادر، وأنه لا يفوته شيء، وإن أجل، وأَنْظَر، وأمْلَى…
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ )، قال: مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.
رواه ابن جرير، عن ابن بشار، عن ابن مهدي.
وبه قال مجاهد، وعكرمة، ونص عليه أحمد بن حنبل في كتاب “الرد على الجهمية”.
وقال مجاهد: هذه الآية كقوله: ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (5/ 439 – 440).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” على القول الصّحيح الذي مشى عليه ابن كثير رحمه الله وأكّده في التّفسير؛ فيقولون: إنّ هذا كلّه في الدّنيا: التّدبير والعروج، وأنّه سبحانه وتعالى يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه آثار هذا التّدبير؛ يعني في الدّنيا ” انتهى. “تفسير العثيمين: السجدة” (ص36).
وثبت أن يوم القيامة من حين قيام الناس من قبورهم إلى نهاية الحساب، ودخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، مقداره خمسون ألف سنة.
قال الله تعالى: ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ، وَنَرَاهُ قَرِيبًا ، يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ) المعارج (4 – 8).
وروى الإمام مسلم(987) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ… ).
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ ) رواه الترمذي (2354)، وقال: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”.
وأما بخصوص البرزخ ومكث الناس في قبورهم إلى قيام الساعة، فلم نقف في نصوص الوحي ما يدل على أنه تكون عندهم أيام.
وغاية ما ورد، هو ذكر عرض الكفار على النار غدوة وعشية، وعرض الجنة على المؤمن أيضا غدوة وعشية.
كما في قوله تعالى:
( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) غافر (45 – 46).
وروى البخاري (1379)، ومسلم (2866) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ، عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
والظاهر المتبادر إلى الذهن هو أن هذه الغدوة والعشية هي بمقدار أيام الدنيا؛ لأن المفهوم من ذكر الغدوة والعشية، هو تتابع عرض العذاب والنعيم، ويحصل هذا التتابع إن كانت الغدوة والعشية هي بأيام الدنيا، وأما إن كانت بمقدار ألف سنة، فسيكون هذا العرض على العذاب والنعيم على سبيل الندرة والانقطاع وعدم التتابع.
قال ابن عطية رحمه الله تعالى:
” وقالت فرقة: هذا الغدو والعشي هو في الدنيا، أي في كل غدو وعشي من أيام الدنيا يعرض آل فرعون على النار…
وقال محمد بن كعب القرظي وغيره: أراد أنهم يعرضون في الآخرة على النار على تقدير ما بين الغدو والعشي، إذ لا غدو ولا عشي في الآخرة، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا ” انتهى من “المحرر الوجيز” (4 / 562).
وورد ما يدل على أن هذا بأيام الدنيا لكن بسند ضعيف.
روى سعيد بن منصور في “السنن – التفسير” (7 / 225)، وغيره : عن هُشَيم، عن يعلى بنِ عطاءٍ، عن ميمونِ بنِ أبي مَيْسرةَ؛ قال:( كانت لأبي هُريرةَ صرختانِ في كلِّ يومٍ غُدْوةً وعَشيَّةً، كان يقولُ أوَّلَ النَّهارِ: ذهَبَ اللَّيلُ، وجاء النَّهارُ، وعُرِضَ آلُ فرعونَ على النَّارِ. فلا يسمَعُ أحدٌ صوتَه إلا استعاذَ باللهِ منَ النَّارِ، فإذا كان العَشيُّ، قال: ذهب النَّهارُ وجاءَ اللَّيلُ، وعُرضَ آلُ فرعونَ على النَّارِ. فلا يَسمَعُ صوتَهُ أحدٌ إلا استعاذَ باللهِ منَ النَّارِ ).
لكن في إسناد الخبر ميمون بن أبي ميسرة، ولم نقف على توثيق له.
وأما النار، فلم نقف على ما يدل على أنه تمر على أهلها فيها أيام مقدرة، فيها صبح ومساء، وليل ونهار، كما هو حال أهل الدنيا.
لكن قال الله عز وجل في أهل النار: ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) النبأ/21-23
وقد اختلف في تقدير “الحُقْب” من هذه الأحقاب؛ فقيل: “ثمانون سنة”، وقيل “ثلاثمائة”، وقيل غير ذلك. انظر: “تفسير ابن كثير” (8/305).
وليس في شيء مما قيل في ذلك تقدير لمدة أهل النار باليوم المعروف، ولا أنه يختلف عليهم النهار والليل. فالله أعلم بما يكون من ذلك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب