0 / 0

تفسير قول الله تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين…) الآية

السؤال: 151281

لقد قرأت سورة الإسراء فاستوقفتني هذه الآيات وتفكرت فيها طويلا وهي (وقضينا إلي بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكره عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا *إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره وليتبروا ما علوا تتبيرا)
ثم قرأت تفسيرها وهي عندما عذب جالوت بني إسرائيل ، ولكن القرآن معجز بآياته وسوره ، وانه شامل لكل زمان ومكان وان القران فيها كل شيء حتى حركاتنا وكلامنا وان فيه أمور غيبيه ستحدث في المستقبل فلا أتعجب عندما اعتقد بان هذه الايه كان يقصد بها هتلر عندما سلطه الله علي بني إسرائيل وعذبهم لان الآية (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا) فإذا هنا تدل على المستقبل أي انه لم يحدث الوعد الأول لبني إسرائيل لا قبل عهد الرسول ولا أثناء عهد الرسول وانه سيحدث فيما بعد ثم إن القران جاء بالعموم في الآية ولم يذكر جالوت في الآية كما ذكر في سوره البقرة يعني إن الآية تدخل تحت العموم ثم تأتي الآية (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا* ) وهذا حال إسرائيل اليوم فهم أكثر مال وأكثر قوه وأكثر عددا كما في الآية ثم تأتي هذه الآية( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره ) وهي إن المسلمين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مره أي كما دخله عمر وكانت أول مره دخل المسلمون المسجد الأقصى هي في عهد عمر رضي الله عنه فهل من الممكن أن يكون هذا تفسير أخر للآيه؟ والله اعلم أفيدونا جزآكم الله خيرا

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
الأصل في المسلم الرجوع إلى كتب التفسير لمعرفة معاني الآيات القرآنية ، ولا مانع من إعمال الذهن في استنباط الفوائد منها إن كان من أهل القدرة على ذلك .
كما أنه على المسلم تجنب تنزيل الآيات على وقائع معينة ، وليس لأحدٍ الجزم بأن ما يريده تعالى في آية معينة هو هذا الحادث المحدد ، دون بينة أو دليل على ذلك التخصيص .

وكلا الأمرين يجب العناية بهما ، فإن مخالفة الأمر الأول كان سبباً في ضلال طوائف من الجماعات والمذاهب والأشخاص ، ومخالفة الأمر الثاني كان سبباً في الوقوع في الخطأ في فهم الآية أو تنزيل الحادثة عليها ، فليتنبه المسلم لهذا ، وليكن مرجعه في فهم كتاب الله تعالى ما دوَّنه أئمة التفسير الثقات في كتبهم ، وليتجنب تنزيل حوادث معينة على آيات قرآنية ، أو العكس ، وليعلم أنه كلما رأى حدثاً يطابق ما فهمه من الآية القرآنية فقد يأتي حدث أكثر مطابقة عليها ، والسعيد من اعتبر بما حصل من لغط كثير في هذا الباب في ” أزمة الخليج الأولى ” .
ثانياً:
من هنا فإننا رأينا محاولات كثيرة للجزم بحادثتي الإفساد الأول والثاني من بني إسرائيل ، واللذان جاء ِذِكرهما في أول سورة الإسراء ، وللأسف فقد كان الاعتماد في حوادث هذين الإفسادين على كتب بني إسرائيل أو على أحاديث موضوعة ، ومنهم من جزم بأن الإفسادين لم يحصلا في التاريخ قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل إن الأول منهما كان في زمانه ، والآخر سيكون في آخر الدنيا ! ومنهم من قال بأن كليهما سيكون بعد زمن النبي صلى لله عليه وسلم ، ولا سبيل إلى الجزم بما أراده الله تعالى من تعيين الإفسادين إلا بوحي ! ولا يوجد نص يعيِّن هذين الإفسادين ، فصار الاشتغال بتحديدهما وتعيينهما من تضييع الوقت بما لا طائل من ورائه.
ونرى أن الإمام ابن كثير رحمه الله قد أصاب غاية الإصابة في تعليقه على ما قيل في تعيين هذين الإفسادين ، حيث قال :
وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلَّطين عليهم : من هم ؟ فعن ابن عباس وقتادة : أنه ” جالوت الجَزَريّ ” وجنوده ، سلط عليهم أولا ، ثم أديلوا عليه بعد ذلك، وقتل داودُ جالوتَ ؛ ولهذا قال : ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) .
وعن سعيد بن جبير : أنه ملِك الموصل ” سنجاريب ” وجنوده ، وعنه أيضًا وعن غيره : أنه ” بختنصر ” ملك بابل .
وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال إلى أن ملك البلاد ، وأنه كان فقيرًا مقعدًا ضعيفًا يستعطي الناس ويستطعمهم ، ثم آل به الحال إلى ما آل ، وأنه سار إلى بلاد بيت المقدس ، فقتل بها خلقًا كثيرًا من بني إسرائيل .
وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثًا أسنده عن حذيفة مرفوعًا مطولا ، وهو حديث موضوع لا محالة ، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث ! والعجب كل العجب كيف راج عليه مع إمامته وجلالة قدره ! وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي رحمه الله بأنه موضوع مكذوب ، وكتب ذلك على حاشية الكتاب .
وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها ؛ لأن منها ما هو موضوع من وضع بعض زنادقتهم ، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحًا ، ونحن في غُنْيَة عنها ، ولله الحمد ، وفيما قص الله تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله ، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم ، وقد أخبر الله تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط الله عليهم عدوهم ، فاستباح بَيْضَتَهم ، وسلك خلال بيوتهم ، وأذلهم ، وقهرهم ، جزاء وفاقًا ، وما ربك بظلام للعبيد ؛ فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء .
وقد روى ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ظهر ” بُختنَصَّر ” على الشام ، فخرب بيت المقدس وقتلهم ، ثم أتى دمشق فوجد بها دمًا يغلي على كِبًا ، فسألهم : ما هذا الدم ؟ فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا ، وكلما ظهر عليه الكبا ظهر ، قال : فقتل على ذلك الدم سبعين ألفًا من المسلمين وغيرهم ، فسكن .
وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وهذا هو المشهور ، وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم ، حتى إنه لم يبق من يحفظ التوراة ، وأخذ معه خلقًا منهم أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم ، وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها ، ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه : لجاز كتابته وروايته ، والله أعلم .
” تفسير ابن كثير ” ( 5 / 47 ، 48 ) .
نعم ، هذا الذي نعتقد أنه الصواب والقرآن الكريم كتاب هداية ، ولو كان في ذِكر حادثتي الإفساد فائدة لعيَّنهما رب العالمين ، وإنما القصد الاعتبار ، وما يدل على عدم اعتبار التعيين ما قاله الله تعالى مهدداً لهم بقوله ( وَإِنْ عُدتمْ عُدْنَا ) ، ويمكن هنا جعل ما حصل لليهود على يد ” هتلر ” داخلاً تحت هذا التهديد والوعيد .
قال الشيخ صاح الفوزان – حفظه الله – :
هذا وعيد من الله ، كما أنه عاقبهم على المرتين الأوليين ، فهو كذلك سيعاقبهم كلما أفسدوا في الأرض ، إلى آخر الدنيا ، وهذا واقع ومشاهد : أن اليهود ما زالوا يسلط عليهم الجبابرة ويسلط عليهم عدوهم كلما حصل منهم علو في الأرض وإفساد في الأرض ، وهذه عقوبة من الله سبحانه وتعالى لهذا الشعب الذي يفسد في الأرض وينشر الفساد فيها ويتكبر على العباد .
” مجموع فتاى الشيخ صالح الفوزان ” ( 1 / 156 9 ) .
فالعبرة في ذكر ما حصل من بني إسرائيل وما عاقبهم الله تعالى به : تقرير أن الإفساد في الأرض والتكبّر على الحق والتجبّر على الناس وقهرهم : ستكون عواقبه وخيمة على أصحابه وعلى بلادهم ، وأن التزام شرع الله تعالى وإقامة العدل سيكون له أثره الحسن على أصحابه وعلى بلادهم .
وثمة فرق كبير بين يشتغل بتعيين حوادث إفساد اليهود قديماً وحديثاً من أجل الحكاية والسرد التاريخي ، وبين من يفعل ذلك مع ذِكر سبب الإفساد والعبرة من ذلك ، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه فهو وإن عيَّن الحادثتين بأن الأولى بعد سليمان عليه السلام والثانية بعد يحي وزكريا والمسيح ، لكنه لا يذكر ذلك اشتغالا بالسرد التاريخي بل من أجل العبرة والعظة ، ومن ذلك قوله رحمه الله :
فهذا الاستقراء والتتبع يبين أن نصر الله وإظهاره هو بسبب اتباع النبي ، وأنه سبحانه يريد إعلاء كلمته ونصره ونصر أتباعه على من خالفه ، وأن يجعل لهم السعادة ، ولمن خالفهم الشقاء ، وهذا يوجب العلم بنبوته ، وأن من اتبعه كان سعيداً ، ومن خالفه كان شقيّاً ، ومن هذا ظهور ” بخت نصر ” على بني إسرائيل ، فإنه من دلائل نبوة موسى ، إذ كان ظهور ” بخت نصر ” إنما كان لما غيَّروا عهود موسى وتركوا اتباعه ، فعوقبوا بذلك ، وكانوا إذ كانوا متبعين لعهود موسى منصورين مؤيدين كما كانوا في زمن داود وسليمان وغيرهما ، قال تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً … ) .
“الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح” ( 6 / 416 ) .

ثالثاً:
وثمة أشياء تستحق التنبيه عليها جاءت في سؤال الأخ الفاضل ، ومنها :
1. قلتَ ” وإن القرآن فيه كل شيء حتى حركاتنا وكلامنا ” ، نقول : هذا غير صحيح ، وإنما ذلك ” اللوح المحفوظ ” لا القرآن الكريم . وأما قوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى ) النحل/89 ، فقد قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيرها : “يَقُولُ: نَزَّلَ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنَ بَيَانًا لِكُلِّ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهُدًى مِنَ الضَّلاَلَةِ وَرَحْمَةً لِمَنْ صَدَّقَ بِهِ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَأَحَلَّ حَلاَلَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ . وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: وَبِشَارَةً لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَخَضَعَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَذْعَنَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، يُبَشِّرُهُ بِجَزِيلِ ثَوَابِهِ فِي الآخِرَةِ، وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ ” انتهى من “تفسير الطبري” (14/333) .
2. قلتَ ” فـ ” إذا ” هنا تدل على المستقبل أي : أنه لم يحدث الوعد الأول لبني إسرائيل لا قبل عهد الرسول ولا أثناء عهد الرسول ، وإنه سيحدث فيما بعد ” ، ونقول : هذا غير صحيح ؛ لأن هذا ليس خبرا مبتدأ في القرآن ، وإنما هو حكاية لخبر موجود في الكتاب السابق ـ ” التوراة ” ـ وهو المقصود بقوله تعالى ( فِي الكِتَابِ ) والقضاء في الآية هو بمعنى الوحي بما يكون في علم الله تعالى من إفسادهم ، فالإفساد من بني إسرائيل المُخبَر عنه سيقع بعد زمان موسى عليه السلام ، يعني بعد الزمان الذي ورد فيه هذا الإخبار أول مرة ، وليس يعني بالضرورة وقوعه بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وحتى على القول الآخر وهو أن المقصود بالكتاب ” اللوح المحفوظ ” فإن قوله تعالى ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا ) لا يساعد على أنه لن يكون إلا بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
3. قلتَ ” ثم إن القرآن جاء بالعموم في الآية ، ولم يذكر ” جالوت ” في الآية ” ، ونقول : القرآن جاء بالعموم في الآية ، ولم يذكر ” هتلر ” ولا غيره ! مع التنبيه إلى أن هذه الصيغة ليست من صيغ العموم ، كما ظن السائل ، وإنما أجبناه على سبيل التنزل ـ أي : الافتراض ـ وإنما يقال هنا : الخبر مجمل ، لم يبين فيه المقصود بذلك على وجه التحديد ؛ وحينئذ ، لم يجز لأحد أن يعين ذلك المجمل إلا ببيان تقوم به الحجة ، وينقطع به العذر .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android