تنزيل
0 / 0

نصيحة لمن تزوج امرأة كانت متزوجة من قبل , وما زال بها حتى كشفت له أسرارا من زواجها الأول فساءه ذلك وأوقعه في الحرج

السؤال: 220196

في بعض الأحيان يتزوج الرجل من امرأة كانت متزوجة من قبل ؛ إما لأنه يريد ذلك ، أو بسبب رغبة أهله ، وبعد الزواج يناقش الزوجان أمور حياتهم الماضية مع بعضهم البعض، وقد تكشف المرأة عن ماضيها ، وتقول لزوجها كيف أنها كانت متعلقة بزوجها السابق ، وأنها كانت تحبه أكثر مما تحب زوجها الحالي الآن ، ولكن نظراً لغيرة الرجل التي فطر عليها فإنه قد يجد مثل هذا الأمر جارحاً مما يستفزه لمعرفة المزيد عن مدى قربها من زوجها السابق في الماضي ، وذلك قد يتضمن سؤالها عن أمور تتعلق بالجماع ، وأمور حميمية وعاطفية أخرى ، وبعد معرفة كل ذلك ، يقوم الزوج بنبش ماضيها مما يسبب لكليهما الجرح والحزن ، ونتيجة للغريزة الذكورية فيه فهو دائماً يتمنى لو أنها له وحده فقط ولم تكن مع أحد غيره من قبل ، فهو لا يتقبل فكرة تعلق زوجته بزوجها السابق، ولو كان هذا الشيء كان فقط أثناء زواجها منه في الماضي.
والسؤال :
هل هناك أي حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن توجيهات حول التعامل مع مثل هذا النوع من الأزواج حتى يتمكن من التعامل مع هذا الوضع وتقبله ؟
وكيف يمكن للقرآن أن يزيل مثل هذا الشعور من قلبه ؟
وكيف يمكن حثه ليصبح سعيداً بوضعه الحالي وأن لا يلقي بالاً لهذه المشاعر السيئة وماضي زوجته ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ينبغي أن تعلم أيها السائل أن من وقع في الحزن والقلق والحيرة بسبب نبش ماضي زوجته
، والتنقيب عن أحوالها مع زوجها السابق , فإن هذا بما قدمته يداه ، وبما أقدم عليه
من مخالفة صريحة لمنهاج القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة في مثل هذه الأمور ,
وما ربك بظلام للعبيد , ولو أنه وقف عند قول ربه جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ
عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة/101 ؛ لو أنه تأدب بهذا الأدب ، ما
وقع فيما وقع فيه من الحيرة والبلاء .
يقول القرطبي – رحمه الله – في تفسيره (6 / 332) : ” وَقِيلَ: الْمُرَادُ
بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَعْنِي مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ ،
بِحَيْثُ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى
مَسَاوِئِهِمْ ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:” وَلا تَجَسَّسُوا وَلا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً” [ الحجرات: 12] ” انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3 / 203) : ” هَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ
تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَهْيٌ لَهُمْ عَنْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ
أَشْيَاءَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي السُّؤَالِ وَالتَّنْقِيبِ عَنْهَا؛
لِأَنَّهَا إِنْ أُظْهِرَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْأُمُورُ رُبَّمَا سَاءَتْهُمْ ،
وَشَقَّ عَلَيْهِمْ سَمَاعُهَا ” انتهى .
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ
مَا لَا يَعْنِيهِ ) رواه الترمذي (2318) ، وصححه الألباني .
يقول ابن رجب في ” جامع العلوم والحكم ” (1/114-116) :
” وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب ، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي
محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال : جماع آداب الخير وأزِمَّتُه
تتفرع من أربعة أحاديث : قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه
ما لا يعنيه ) وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية : ( لا تغضب )
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( ومعنى هذا الحديث :
أن مَنْ حسُنَ إسلامه تَركَ ما لا يعنيه من قول وفعل ، واقتصر على ما يعنيه من
الأقوال والأفعال ، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ، وأكثر ما يراد بترك ما لا
يعني : حفظ اللسان من لغو الكلام . وفي المسند [ 1/201 ] من حديث الحسن عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه ) [
قال الأرناؤوط : حسن لشواهده ] ” انتهى باختصار .
ثم كيف يلح شخص على امرأته حتى يوقعها في المعصية ، بأن يجعلها تبوح بأسرار ما كان
بينها وبين زوجها السابق من علاقة خاصة , وكيف تفعل المرأة ذلك وتستجيب له , وهذا
الفعل مما تنفر منه الفطر المستقيمة ، والأخلاق القويمة , فعن أَبي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )
رواه مسلم ( 1437) .
قال النووي – رحمه الله – : ” وفي هذا الحديث : تحريم إفشاء الرجل ما يجرى بينه
وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك ، وما يجرى مِن المرأة فيه ، من قول
، أو فعل ، ونحوه ” . انتهى من ” شرح النووي ” ( 10 / 8 ) .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – ” يغلب على بعض النساء نقل
أحاديث المنزل وحياتهن الزوجية مع أزواجهن إلى أقاربهن وصديقاتهن ، وبعض هذه
الأحاديث أسرار منزلية لا يرغب الأزواج أن يعرفها أحد ، فما هو الحكم على النساء
اللاتي يقمن بإفشاء الأسرار ونقلها إلى خارج المنزل أو لبعض أفراد المنزل ؟ “.
فأجاب : ” إن ما يفعله بعض النساء مِن نقل أحاديث المنزل والحياة الزوجية إلى
الأقارب والصديقات أمر محرَّم ، ولا يحل لامرأة أن تفشي سرَّ بيتها ، أو حالها مع
زوجها إلى أحدٍ من الناس ، قال الله تعالى : ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما
حفظ الله ) ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن : ( شر الناس منزلة عند الله يوم
القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها)”. انتهى من ” فتاوى
إسلامية ” ( 3 / 211 ، 212 ) .
فالواجب على من فعل هذا : أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره من ذنبه الذي أوقعه فيه
شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء .
وأما من ناحية العلاج لهذه الحيرة ، وذلك القلق : فلا يوجد أفضل من اتباع هدي النبي
صلى الله عليه وسلم وتذكر حاله وحياته الشريفة , فليعلم أنه ليس أكثر غيرة من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وكل نسائه رضي الله عنهن كنَّ متزوجات قبله إلا عائشة
رضي الله عنها ؟! ولو كان الزواج من مطلَّقة أو أرملة ، فيه ما يعيب الرجل ، لما
رضي الله تعالى بذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وليُعلم أن إحداهن رضي الله عنهن
وهي زينب بنت جحش رضي الله عنها ، قد زوَّجها ربُّها تعالى لنبينا محمد صلى الله
عليه وسلم ؟! نعم ، قال الله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا
زَوَّجْنَاكَهَا ) الأحزاب/ 37 ، ولذا حُقَّ لها أن تفخر بذلك ، كما جاء عن أنس رضي
الله عنه في قوله ” فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ : زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَزَوَّجَنِي
اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ” . رواه البخاري ( 6984 ) ، وروى
مسلم ( 177 ) عن عائشة رضي الله عنها مثل قول أنس رضي الله عنه .
وهذه الصحابية الجليلة ” أسماء بنت عميس ” تزوجت ثلاث مرات ، من ثلاثة رجال أفاضل ،
لم تنجب الأرحام بعد عصر الصحابة مثلهم ، وكانوا على درجة عالية من العلم والدين
والشجاعة والغيرة ، فقد تزوجها أولاً : جعفر بن أبي طالب ، ثم مات عنها ، فتزوجها
أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه ، ثم لما مات عنها ، تزوجها علي بن أبي طالب رضي
الله عنه ، فما عابها ذلك بل رفع قدْرها ، وما عاب هؤلاء الأفذاذ أن تزوجوا بأرملة
، ولا أنفوا من ذلك ، ولا أحرقت الغيرة الحمقاء قلوبهم ، وقد رأوا نبيهم صلى الله
عليه وسلم فعل ذلك ، ولو كان ذلك عيباً ومنقصةً للمروءة والغيرة – وحاشاه أن يكون
كذلك ، وقد أحله الله – لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فعله الأكابر من
أصحابه .
بل نقول لك : لو كان ذلك نقصا وعيبا ، لما شرعه الله أصلا ؛ فإن الله يغار ، والله
أغير من عباده ، وغيرة الله أن تؤتى محارمه ، لا أن يستمتع العباد بما أحله لهم ,
وتراجع الفتوى رقم : (151420)
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android