0 / 0

الكلام على حديث : ( ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ ) سندا ومتنا .

السؤال: 220710

ما قول العلماء في الحديث القدسي التالي : ( عجب ربُّنا مِنْ قُنوط عباده وقرب غِيَرِهِ , ينظُر إليكم أزلين قنطين ، فيظل يضحك ، يعلمُ أنَّ فرجكم قريب ) . رواه أحمد ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى ابن ماجة (181) ، وأحمد (16187) ، والطبراني في “الكبير” (469) عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ ) قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ، قَالَ: (نَعَمْ) ، قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا ” .
وهذا إسناد ضعيف ، وكيع بن حدس – ويقال ابن عدس – مجهول ، قال الذهبي في “الميزان” (4/ 335):
” لا يعرف ، تفرد عنه يعلى بن عطاء ” .

ورواه ابن خزيمة في “التوحيد” (2/ 462) ، والحاكم (8683) ، وعبد الله بن أحمد في ” زوائد المسند ” (16206) من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ السَّمَعِيُّ ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في حديث طويل ، وفيه : ( ضَنَّ رَبُّكَ بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ) ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقُلْتُ : مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ، قَالَ: (عَلِمَ الْمَنِيَّةَ، قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيَّةُ أَحَدِكُمْ وَلَا تَعْلَمُونَهُ ، وَعَلِمَ يَوْمَ الْغَيْثِ ، يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ مُشْفِقِينَ ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ ، قَدْ عَلِمَ أَنَّ غَوْثَكُمْ قَرِيبٌ ) قَالَ لَقِيطٌ : فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ” .

وهذا إسناد ضعيف ، عبد الرحمن بن عياش ودلهم بن الأسود وأبوه مجهولون لا يعرفون .
قال الشيخ الألباني رحمه الله ، متعقبا على الهيثمي في توثيق رجاله :
” .. فإن عبد الرحمن السمعي ودلهم بن الأسود وأبيه ثلاثتهم لا يعرفون إلا بهذا الإسناد ، وقد صرح الذهبي في ” الميزان ” في ترجمة دلهم بأنه لا يعرف ، وأشار فيه إلى أن الآخرين كذلك ” .
انتهى من “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (6/ 735) ، وينظر : “مجمع الزوائد” (10/ 340) .

وقال محققو المسند :
” إسناده ضعيف ، مسلسل بالمجاهيل ، عبد الرحمن بن عياش ، ودلهم بن الأسو د، وأبوه الأسود بن عبد الله بن حاجب : مجهولون ” .

وقال ابن كثير رحمه الله :
” هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَلْفَاظُهُ فِي بَعْضِهَا نَكَارَةٌ ” .
انتهى من “البداية والنهاية” (7/ 339) .

ورواه عبد الرزاق في “مصنفه” (4892) عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَضْحَكُ مِنْكُمْ أَزِلِينَ بقُرْبِ الْغَيْثِ مِنْكُمْ ) ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَاهِلَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوَ إِنَّ رَبَّنَا لَيَضْحَكُ ؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: فَوَاللَّهِ , لَا عَدِمْنَا الْخَيْرَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ ” .
وهذا إسناد رجاله ثقات ، إلا أنه معضل ، فإسماعيل بن أمية من أتباع التابعين .
ورواه ابن خزيمة في “التوحيد” (2/ 574) من طريق سَلْم بْن سَالِمٍ الْبَلْخِيّ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَضْحَكُ مِنْ إِيَاسَةِ الْعِبَادِ وَقُنُوطِهِمْ ، وَقُرْبِهِ مِنْهُمْ ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، أَوَ يَضْحَكُ رَبُّنَا؟ قَالَ: (أَيْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ لَيَضْحَكُ) ، قَالَ: فَقُلْتُ إِذًا لَا يَعْدِمُنَا مِنْهُ خَيْرًا إِذَا ضَحِكَ ” .
وهذا إسناد واه ، خارجة بن مصعب متروك ، تركه أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، وابن سعد ، وغيرهم ، انظر “التهذيب” (3/ 77) .
وسلم ين سالم ضعيف ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، وأبو زرعة ، والنسائي .
انظر “الميزان” (2/185) .

وقد ذهب إلى تقوية الحديث : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فحَسَّنه في ” مجموع الفتاوى ” (3/ 139) ، وحسنه – أيضا – بطرقه : الشيخ الألباني رحمه الله في “السلسلة الصحيحة” (2810) ، وانتصر لذلك ابن القيم بقوة ، قال رحمه الله :
” هَذَا حَدِيثٌ كَبِيرٌ جَلِيلٌ ، تُنَادِي جَلَالَتُهُ وَفَخَامَتُهُ وَعَظَمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ ، لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني ، وَرَوَاهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُتُبِهِمْ ، وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ ، وَقَابَلُوهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ ، وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ ، وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ .
وَقَالَ ابن منده : رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعِرَاقِ بِمَجْمَعِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الدِّينِ : جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ، وأبو حاتم ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُتَكَلَّمْ فِي إِسْنَادِهِ ، بَلْ رَوَوْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَلَا يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا جَاحِدٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوْ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ” .
انتهى من “زاد المعاد” (3/ 591) .

ثانيا :
قوله (أزلين) الْأَزْلُ – بِسُكُونِ الزَّايِ – الشِّدَّةُ . وَالْأَزِلُ عَلَى وَزْنِ كَتِفٍ هُوَ الَّذِي قَدْ أَصَابَهُ الْأَزْلُ ، وَاشْتَدَّ بِهِ حَتَّى كَادَ يَقْنَطُ .
“زاد المعاد” (3/ 593) .
وقوله : ( وقرب غِيَره ) أي قرب تغييره الحال .
وقال ابن منظور رحمه الله :
” الأَزْلُ: الضَّيِّقُ وَالشِّدَّةُ ، والأَزْلُ: الْحَبْسُ. وأَزَلَه يَأْزِلُه أَزْلًا: حَبَسَهُ ، والأَزْلُ: شِدَّةُ الزَّمَانِ ، يُقَالُ: هُمْ فِي أَزْلٍ مِنَ الْعَيْشِ ، وأَزْلٍ مِنَ السَّنَة ، وآزَلَتِ السَّنَةُ: اشْتَدَّتْ .. وأَصبح الْقَوْمُ آزِلِينَ ، أَي فِي شِدَّةٍ ” انتهى من ” لسان العرب ” (11/13) .

قال ابن رجب رحمه الله :
” وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ عِنْدَ احْتِبَاسِ الْقَطْرِ عَنْهُمْ وَقُنُوطِهِمْ وَيَأْسِهِمْ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَقَدِ اقْتَرَبَ وَقْتُ فَرَجِهِ وَرَحْمَتِهِ لِعِبَادِهِ ، بِإِنْزَالِ الْغَيْثِ عَلَيْهِمْ ، وَتَغْيِيرِهِ لِحَالِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ – وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم: 48 – 49] ..” .
انتهى من “جامع العلوم والحكم” (1/491) .
وقال السندي رحمه الله :
” الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَضْحَكُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مَأْيُوسًا مِنَ الْخَيْرِ بِأَدْنَى شَرٍّ وَقَعَ عَلَيْهِ ، مَعَ قُرْبِ تَغْيِيرِهِ تَعَالَى الْحَالَ مِنْ شَرٍّ إِلَى خَيْرٍ وَمِنْ مَرَضٍ إِلَى عَافِيَةٍ وَمِنْ بَلَاءٍ وَمِحْنَةٍ إِلَى سُرُورٍ وَفَرْحَةٍ ” .
انتهى من “حاشية السندي على سنن ابن ماجه” (1/ 78) .

ثالثا :
في الحديث إثبات صفة الضحك لله تعالى ، وكذا صفة العجب ، وهما صفتان ثابتتان لله تعالى على الوجه الذي يليق بذاته وجلاله .
قال الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله :
” هَذَا الْحَدِيثُ يُثْبِتُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صِفَةَ العَجَب ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ شابٍّ لَيْسَ لَهُ صَبْوَةٌ ) ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ؛ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى أنَّها ضميرٌ للرَّبِّ جَلَّ شَأْنُهُ .
وَلَيْسَ عَجَبُهُ سُبْحَانَهُ نَاشِئًا عَنْ خَفَاءٍ فِي الْأَسْبَابِ ، أَوْ جَهْلٍ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ ؛ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي عَجَبِ الْمَخْلُوقِينَ ؛ بَلْ هُوَ مَعْنًى يَحْدُثُ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مُقْتَضَى مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَعِنْدَ وُجُودِ مُقْتَضِيهِ ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهُ.
وَهَذَا العَجَب الَّذِي وَصَفَ بِهِ الرسولُ ربَّه هُنَّا مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ ، وَهُوَ مِنْ كَمَالِهِ تَعَالَى ، فَإِذَا تأخَّر الْغَيْثُ عَنِ الْعِبَادِ مَعَ فَقْرِهِمْ وشدَّة حَاجَتِهِمْ ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ الْيَأْسُ وَالْقُنُوطُ ، وَصَارَ نَظَرُهُمْ قَاصِرًا عَلَى الْأَسْبَابِ الظاهرة ، وحسبوا أن لا يَكُونَ وَرَاءَهَا فرجٌ مِنَ الْقَرِيبِ الْمُجِيبِ ؛ فَيَعْجَبُ اللَّهُ مِنْهُمْ.
وَهَذَا محلٌّ عجيبٌ حَقًّا؛ إِذْ كَيْفَ يَقْنَطُونَ وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ ، وَالْأَسْبَابُ لِحُصُولِهَا قَدْ توفَّرت ؟! فَإِنَّ حَاجَةَ الْعِبَادِ وَضَرُورَتَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ رَحْمَتِهِ ، وَكَذَا الدُّعَاءُ بِحُصُولِ الْغَيْثِ وَالرَّجَاءِ فِي اللَّهِ مِنْ أَسْبَابِهَا ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي خَلْقِهِ أَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ الْيُسْرَ مَعَ الْعُسْرِ، وَأَنَّ الشِّدَّةَ لَا تَدُومُ ، فَإِذَا انضمَّ إِلَى ذَلِكَ قُوَّةُ الْتِجَاءٍ وَطَمَعٍ فِي فَضْلِ اللَّهِ ، وَتَضَرُّعٌ إِلَيْهِ ودعاء ؛ فتح اللهم عَلَيْهِمْ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى الْبَالِ ..” .
انتهى من ” شرح العقيدة الواسطية ” (169-171).

وانظر إجابة السؤال رقم : (127605) ، والسؤال رقم : (139913) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android