0 / 0

الجمع بين قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) ، وقوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ).

السؤال: 222397

كيف يمكن التوفيق بين ما جاء في الآية 44 من سورة سبأ ، وغيرها من الآيات التي تدل على أنّ الرسول محمد صلى الله عليه و سلم قد أرسله الله لأمة لم يأت عليها رسول أو نذير من قبل ، وبين الآيات التي تذكر أنّ الله أرسل نذيراً لكل أمة , 10:47, 16:35, 35:24, 40:5, 22:34,67 ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
من رحمة الله تعالى بخلقه أن أرسل لهم الرسل ، وأنزل إليهم الكتب ، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، وليقيم عليهم الحجة ، فليست أمة من الأمم إلا وقد أرسل الله إليهم رسولا ، وبعث فيهم نذيرا ، يدعوهم إلى عبادة ربهم ، وينذرهم عذاب يوم عظيم ، قال تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) فاطر /24 ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) النحل/ 36 .
انظر جواب السؤال رقم : (162923) .

ثانيا :
وجه الجمع بين ذلك وبين قوله تعالى : ( وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) القصص/ 46 .
وقوله تعالى : ( بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) السجدة/ 3 .
وقوله عز وجل : (وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) سبأ/ 44 .
وجه الجمع بين هذه الآيات : أن قوله : ( مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ) ، وقوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) يقصد به العرب خاصة ، أو قريشا خاصة ؛ فإن الله تعالى لم يرسل فيهم رسولا قبل محمد صلى الله عليه وسلم .
وأما قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) فاطر /24 ، ونحوه : فالمراد : كل الأمم ؛ فكل الأمم قد سبقت فيها النذر ، وجاءتها الرسل ، إلا هذه الأمة الأمية ، قريش ، أو العرب عامة ، لم يأتهم نذير قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا كغيرهم من الأمم التي خلت فيها النذر .
قال قتادة : ” يعني قريشا ، كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” الجامع لأحكام القرآن ” (14 /84) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
” قَوْلُهُ تَعَالَى: ( لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) يَعْنِي بِهِمُ : الْعَرَبَ ؛ فَإِنَّهُ مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِهِ ” انتهى من ” تفسير ابن كثير” (6/ 563) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما معنى قوله تعالى: ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ) وقوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) وأيضاً الآية: ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ ) ؟
فأجاب:
” هذه الآيات لا تتعارض ؛ فإن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً ؛ كما قال تعالى ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) …
فلابد لكل أمة من رسول ، ولكل أمة من نذير ينذرها عذاب الله عز وجل ويبشرها برحمته لمن أطاع .
وأما قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) فالمراد : أن الله تعالى لم يرسل إلى العرب نذيراً قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، ولهذا ليس من العرب رسول إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو دعوة إبراهيم وإسماعيل ، حيث قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .
فلم يبعث الله عز وجل نذيراً إلى العرب إلا محمداً صلى الله عليه وسلم ، بعثه الله تعالى نذيراً ، ولكافة الناس ، كما قال الله تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) ” انتهى مختصرا من ” فتاوى نور على الدرب للعثيمين ” (5/ 2) بترقيم الشاملة .

وينظر : ” زاد المسير” (6 /333) ، ” فتح القدير” (4 /252) ، ” تفسير السعدي ” (ص 617) .

واختار ابن جزي رحمه الله : أن المراد بنفي النذارة عنه : هم الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، من العرب ، فلا ينفي ذلك أن يكون من سبق منهم : قد جاءتهم النذر .
قال ابن جزي رحمه الله :
” ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ) معناه : أن الله قد بعث إلى كل أمة نبياً يقيم عليهم الحجة .
فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله ( لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ) ؟
فالجواب : أنهم لم يأتهم نذير معاصر لهم ، فلا يعارض ذلك من تقدم قبل عصرهم .
وأيضاً : فإن المراد بقوله : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ) : أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ليست ببدع فلا ينبغي أن تنكر ، لأن الله أرسله كما أرسل من قبله ، والمراد بقوله : ( لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ) أنهم محتاجون إلى الإنذار ، لكونهم لم يتقدم من ينذرهم ، فاختلف سياق الكلام ، فلا تعارض بينهما ” .
انتهى من ” التسهيل ” ( ص 1635) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android