0 / 0

يسأل عن تكملة حديث ضرب عبد الرحمن بن الزبير زوجته تميمة رضي الله عنهما

السؤال: 227744

روى البخاري عن عكرمة ” أن رفاعة طلق امرأته ، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي . قالت عائشة : وعليها خمار أخضر ، فشكت إليها ، وأرتها خضرة بجلدها . فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنساء ينصر بعضهن بعضا . قالت عائشة : ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات ، لجلدها أشد خضرة من ثوبها ، قال : وسمع أنها قد أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء ومعه ابنان له من غيرها ، قالت : والله ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه ، وأخذت هدبة من ثوبها ، فقال : كذبت ، والله يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم ، ولكنها ناشز تريد رفاعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإن كان ذلك لم تحلي له ، أو لم تصلحي له ، حتى يذوق من عسيلتك) قال : وأبصر معه ابنين له ، فقال : ( بنوك هؤلاء ؟) قال : نعم . قال : (هذا الذي تزعمين ما تزعمين ، فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب ) ” .
فما هي أقوال أهل العلم في معنى هذا الحديث . وهل فعلاً أصبح جلد امرأة رفاعة أخضر اللون من شدة الضرب . وما معنى كلام عائشة : ( ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات ). وماذا حدث بعد ذلك للمرأة ورفاعة بعد أن وصل أمرهما للرسول صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يمثل هذا الحديث واحدا من النماذج السامية التي قدمتها لنا السيرة النبوية في الانتصار لحقوق المرأة ، والدفاع عن المستضعفين ، كما أوصى بذلك عليه الصلاة والسلام في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ ) رواه أحمد (2/439) وحسنه النووي في “رياض الصالحين” (146) ، ومحققو مسند أحمد ، والشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1015) .
يقول المناوي رحمه الله :
” بأن تعاملوهما برفق وشفقة ، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه ، ولا تقصروا في حقهما الواجب والمندوب ، وَوَصَفَهُمَا بالضعف استعطافا وزيادة في التحذير والتنفير ، فإن الإنسان كلما كان أضعف كانت عناية الله به أتم ، وانتقامه من ظالمه أشد ” انتهى من ” فيض القدير “(1/166) .
ولذلك كانت النساء إذا تعرضن للضرب لجأن لمن يدافع عنهن ، ويصون كرامتهن ، وهو بيت النبوة الكريم ، الذي كان منارة نور وهداية وصلاح للعالم كله ، كما وقع في هذا الحديث الوارد في السؤال .
والضرب الذي تعرضت له هذه المرأة – واسمها تميمة بنت وهب كما في ” الطبقات الكبرى ” لابن سعد (8/457) – حتى اخضر جلدها يعد مثالا للعادات السيئة التي ما زال بعض الرجال يمارسونها في أخلاقهم مع زوجاتهم ، وعذر عبد الرحمن بن الزَّبِير في ذلك هو – فيما يبدو من الرواية – نشوز زوجته عنه ، وترفعها عن الحياة معه ، ويبدو أيضا أنها كانت راغبة في زوجها الأول الذي طلقها ثلاثا ، ولكن هذا العذر لا يجيز الضرب المؤذي بحال من الأحوال ، بل كان الخيار أمامه رضي الله عنه بتخييرها بين المخالعة وبين استمرار الحياة وتجاوز المشاكل ، ولا يحتاج الأمر ضربا ولا إيذاء ، فضلا عن الضرب المبرح المؤدي إلى خضرة الجلد .
ولذلك أبدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها امتعاضها من سلوك عبد الرحمن بن الزبير رضي الله عنه ، ولم تجد ما يبرر ضربه واستطالته على زوجته تميمة ، وتعجبت من هذا النوع من المعاملة فقالت : ( مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى المُؤْمِنَاتُ ؟ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا ) ، تعني بذلك أن ما لقيته هذه المرأة شديد بالقدر الذي يبعث على التعجب والاستنكار ، وكأنها رضي الله عنها تدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الانتصار لها كما قال الراوي : والنساء ينصر بعضهن بعضا .
ثم لم تكمل الرواية مصير هذه الشكاية ، شكاية الضرب وما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، واتجهت عناية الرواة إلى ذكر اشتراط الجماع الحقيقي في الزواج الثاني ، كي تحل المرأة لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثا ، كما قال تعالى في كتابه الكريم : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) البقرة/230 .
بل لم نجد – بعد استقراء روايات الحديث – أي نقل عن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لأي من الزوجين في شأن دعوى وقوع المعاشرة بينهما من عدمها ، ليعلم إن كانت تميمة رجعت إلى زوجها رفاعة أم لم ترجع إليه ، كل ذلك يؤكد على ملحظ مهم عند قراءة الأحاديث النبوية ، وأحداث السيرة ، وهو أن الرواة كثيرا ما يغفلون فصولا مهمة في الحكاية ، لأسباب عديدة ، أهمها أن مقصدهم الأساس هو نقل الحروف التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم في القضية الأساسية ، وأما ما رافق الحكاية من أحداث أخرى ، فقد يقصر الراوي أو يكسل عن حكايتها .
وحديث عكرمة هنا بابه الأساسي ، ومقصده الذي ورد فيه هو تأكيد اشتراط ” الجماع ” بين الزوجين كي تحل للزوج الأول بعد الطلاق ، وعدم الاكتفاء بالعقد المجرد ، وأما ما يتعلق بمسألة “الضرب” ، وما ترتب عليها : فلم تحفل به صفحات السيرة وكتب العلماء .

وليس هذا بالشأن الخطير ، فقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تنهى عن أذية المسلم لأخيه المسلم ، وأذية الزوجات خاصة ، وسبق أن استشهدنا في موقعنا بالعديد من هذه الأحاديث النبوية المهمة ، ولعل استقرار منع إلحاق التبريح بالزوجة في قلوب الصحابة ونفوسهم ، كان السبب في تركيزهم في هذه الرواية على كلمة النبي صلى الله عليه وسلم في ” اشتراط المعاشرة الزوجية “، والتقصير عما عداها .
للمزيد يرجى الاطلاع على الأرقام الآتية : (41199) ، (148036) ، (149359) ، (150762) ، (185240) ، (219574) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android