0 / 0
16,76512/04/2017

يشك في حديث الجساسة وسد يأجوج ومأجوج

السؤال: 244500

لدي شك في وجود المسيح الدجال ويأجوج ومأجوج، حيث إن المسيح الدجال من المفترض أنه في جزيرة في البحر، ومن المفترض أن يأجوج ومأجوج موجودون خلف سد ذي القرنين، ولكن الآن – وفي ظل التقدم العلمي – نستطيع رصد أي مكان على سطح الكوكب بالأقمار الاصطناعية، بالإضافة إلى أنه لم يبق أي مكان على سطح الكوكب لم يكتشف بعد.
أرجو منكم الإجابة عن هذا التساؤل.
وأرجوكم لا تقولوا لي بأن المسلم يجب عليه تصديق كل ما جاءت به الأحاديث الصحيحة، حتى ولو لم يستوعبها عقله، فوجود الدجال ويأجوج ومأجوج يتعارض مع الأدلة العلمية قطعية الثبوت، فلو أن الروايات تقول إن الدجال لم يولد بعد، وسوف يظهر في آخر الزمان، لكنت صدقتها.
وهل من الممكن أن تكون هذه إسرائيليات. أنا لا أقصد أن الرواة كذبوا على النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن من الممكن أن تكون الامور قد اختلطت عليهم لكثرة حفظ الروايات.
أفيدونا مأجورين.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

كن على طمأنينة أننا لا نرضى لأنفسنا ولا لك أيضا أن نؤمن بمستحيلات عقلية لا يجيزها العقل السليم، كالجمع بين النقيضين مثلا، أو وجود شيء واحد في مكانين مختلفين في نفس الوقت ، ونحو ذلك من أمثلة ما تحيله العقول، فشريعتنا وعلوم ديننا كلها مما يمكن تعقلها في دائرة: الواجب العقلي، أو الممكن العقلي، كما هو تقسيم علماء المنطق.
أما المستحيل العقلي فهو ما ننزه أنفسنا وإياك عن نسبته للشريعة الإسلامية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “تأملت ووجدت: ما يعلم بصريح العقل، لم يخالفه سمعٌ قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه: إما حديث موضوع، أو دلالة ضعيفة.
فلا يصلح أن يكون دليلاً ، لو تجرد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالفه صريح المعقول!
ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمُحالات العقول، بل بمَحَارات العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته” انتهى من “درء تعارض العقل والنقل” (1/ 147)
ومن هنا نحن نطالب السائل الكريم بالتأمل معنا في الفرق بين: المُحال العقلي، والمَحار العقلي.
ولو تأملت معنا في حديث الجساسة، وخبر يأجوج ومأجوج، لعلمت أن وجودهم على كوكب الأرض اليوم ليس من المستحيل العقلي، فالحكم العقلي المجرد يمكنه تصور وجودهم على الأرض، ولا يمتنع فيه هذا التصور امتناع استحالة.
غاية ما هنالك أن بعض الناس قد يقول : إن من المستبعد عادة – بعد أن ظهرت كل الاكتشافات العلمية الحديثة – أن يكون هذا الخبر صادقا، لكنه لا يمكنه أن يدعي أن ذلك من المستحيلات العقلية التي سبق بيان أمثلتها؛ أو فليأت ببرهان على تلك الاستحالة المدعاة.
ولكن دعنا نتأمل نحن وأنت سبب استبعاد العادة صدق مضمون خبر الجساسة، وردم يأجوج ومأجوج، ومحاولة نقد هذه الأسباب والتأمل فيها:
أولا:
سبب استبعاد صدق هذه الأخبار هو ثقتنا بما وصل إليه العلم الحديث، ولكن ماذا لو علمنا أن العلم الحديث نفسه لا يخاطر بنفي شيء عن عالمنا اليوم، لا يملك البرهان على نفيه؟!
بمعنى أننا نسألك: هل وقفت على بحث علمي محكم منشور في المجلات الكبرى العالمية المعتمدة لدى العلماء، ينفي فيه صاحبه وجود أي شيء على كوكب الأرض دون أن يكون مسجلا في سجلات مُختبرات العلماء ومعاملهم؟!
فإذا لم تجد بحثا واحدا على الأقل من هذا القبيل، فكيف تتسرع بمغالطة نفي العلم الحديث أي احتمال لصدق مضمون خبر الجساسة وردم يأجوج ومأجوج!
نحن ندرك تماما أن العلم الحديث متواضع أكثر من دعاوى العديد من الطاعنين في الأحاديث النبوية، محتجين بسيف العلم الحديث، وهو منهم براء. فالأساس المنهجي الذي تبنى عليه العلوم التجريبية والبحثية المعاصرة هو السكوت عن كل ما لا تجزم التجربة بخطئه، والمحافظة على جميع الافتراضات مفتوحة ما لم تنقضها التجربة والبرهان، الأمر الذي يعني أن العلم الحديث لا يدخل بمجازفات النفي التي يدخل بها كثير من الناس، ولا ينفي أن يكون ثمة أقوام أو أماكن على ظهر هذه البسيطة لم تبلغها اكتشافات العلماء، تماما كما أن العلماء اليوم يسكتون عن سؤال وجود حياة حقيقية خارج كوكب الأرض، ولا يجيبون بالنفي أو الإثبات حتى يستبين لهم الدليل، ويتوقفون في جميع الفرضيات المطروحة في هذا الموضوع.
فينبغي أن نتعامل جميعا مع أي فرضية أخرى تتحدث عن أمر في هذا الكوكب أيضا بالمعيار نفسه.
ثانيا:
ما نقرره هنا ليس بدعا في عالم الأفكار، بل ثمة مذاهب فلسفية متكاملة، سادت عقودا طويلة إلى وقتنا الحاضر، تؤمن بمحدودية العقل، وتستنكر كل محاولات تسليطه على الآفاق التي لا شأن له بها أساسا.
يقول الدكتور محمد مهران – أستاذ الفلسفة في العديد من الجامعات العربية والعالمية -:
“جاءت النزعة الرومانسية رد فعل لعصر العقل، الذي تمثل في طغيان العلم على كل مرافق الحياة الاجتماعية والفكرية في أخريات القرن الثامن عشر. وإذا شئنا الآن أن نفهم الوجودية، فإننا لا نجد فهما لها أفضل من أن نقول عنها “رد فعل ضد عصر العقل”، وفلاسفة ذلك العصر. إذ إن أولئك الفلاسفة قد غالوا في تقدير العقل، فاعتبروه وحده الملكة الإنسانية العليا القادرة على حل جميع المشكلات، وجعلوا منه شرطا للمعرفة الكاملة.
وباختصار، فإنهم نظروا إلى العقل على أنه “مطلق”. وكلمة “مطلق” هنا تعني أمرين:
أولهما: أن العقل هو الجزء النهائي للواقع، لا يسترشد بشيء، ولا يتحكم فيه شيء.
وثانيهما: أن قوى العقل نهائية.
إلا أن نفس هذا الاعتقاد في العقل ، اعتقاد غير معقول؛ لأن جميع الخبرات تدل على أن العقل هو جزء من الطبيعة البشرية ، ويتأثر بهذه الطبيعة، وأن قواه محدودة. وبذلك لا يمكن ولا يجب النظر إليه على أنه مطلق. وقد أدى هذا الموقف – العنيف، وغير المعقول، وغير العقلي، الذي وقفه فلاسفة عصر العقل – إلى رد الفعل العنيف ، وغير العقلي ، للوجودية.
إن الاعتقاد بعقل مطلق ، اعتقاد غير عقلي؛ لأن جميع خبراتنا كما أشرنا تدل على أن هناك حدودا لقوى العقل.
وعلى ذلك فإن الطريقة المنطقية العقلية العلمية في التفكير ، لا تفسر سوى جزء من الواقع ، محدود للغاية.
ولنضرب لذلك مثلا ببعض جوانب العلم الطبيعي الذي يعد النتاج الفعلي الأكثر تأثيرا لعصر العقل، والذي حقق نجاحا فاق حتى أكثر التوقعات المتفائلة لذلك العصر المملوء بالتفاؤل.
ولنسأل الآن: هل أثبت العلم أن قوى العقل بلا حدود، وقادرة على حل جميع المشكلات؟
يعد علم الفيزياء أكثر العلوم الطبيعية تقدما. وقد اكتشف الفيزيائيون المحدثون نوعا من الواقع وراء الواقع الذي نعرفه، ومن نوع مختلف عنه. وقد أطلق بعضهم على هذا الواقع اسم “المطلق”، وقد توصلوا إلى معلومات عن هذا الواقع المطلق، كما حدث في نظرية الكم (الكوانتوم) فقد اكتشفوا – على سبيل المثال – أن الطاقة التي تنبعث من ذرة ما ، لا يمكن أن تنبعث بأي كمية نريدها، إذ إن لها حدا أدنى من الكم، وأي كم من الطاقة المنبعثة ينبغي أن يكون مضاعف هذا الحد الأدنى من الكم. إلا أن هذه الحقيقة تتجاوز نطاق العقل بوضوح، مما يدل على أن للعقل حدودا، وذلك لأن رجل الفيزياء لا بد أن يسلم بأن هنالك واقعا لا يمكن – رغم إمكان إثباته – أن يكون مفهوما، فمعرفتنا بهذا الواقع هي – على حد تعبير “هيزنبرج” – معلقة على عمق لا يسبر غوره.
ولا يساعدنا علم البيولوجيا في هذا المجال. فبالرغم من أن نظرية التطور – كما يقولون – قد قادت إلى فهم كبير للعالم العضوي، إلا أن داروين قد اضطر إلى رفض نظرية “لامارك” في التطور، وهذا يعني أن العقلي قد أذعن للاعقلي. فقد ادعى “لامارك” أن الكائنات العضوية تؤقلم نفسها تدريجيا مع بيئاتها الجديدة، وظروف حياتها الجديدة مكتسبة خصائص جديدة تساعدها على حياة أفضل، وهذه الخصائص تورث وتظهر أنواعا جديدة. ومثل هذه العملية لا يمكن أن تكون مفهومة بالعقل. وقد اضطر داروين إلى رفض ذلك، وأصبحت الآن نظرية التطور قائمة على ما يسمى بالتحول الفجائي، أو الطفرة، أي تغيرات عرضية مفاجئة في الكائنات الحية ، تحدث بطريقة لا يمكن تفسيرها. ويحدث أن تكون بعض الخصائص الجديدة التي تأتي على هذا النحو أن تكون نافعة في الحياة والموت المستمرين، فتجاهد من أجل البقاء. وعلى ذلك تكون الأفراد التي تحور هذه الخصائص أفرادًا منتخبة للبقاء، وعلى أساس أنها باقية، فإن صفاتها الجديدة تورث، ومن ثم تظهر الأنواع الجديدة.
وهذا الافتراض غير عقلي على الإطلاق، فأي منطق معقول أو عقلي ، يمكن أن يساعدنا على أن نفهم الطريقة التي يتسنى بها لقوى وعوارض عمياء – وهي التي تنتج الطفرات التي تجعل الانتخاب الطبيعي ممكنا – أن تنتج هذه الوفرة العجيبة من الكائنات العضوية الموجودة من نباتات وحيوانات وأناس؟!
إن مجرد الدعوى بأن الفوضى وعدم النظام يمكن أن يتحول إلى نظام، إنما يضع العملية برمتها خارج حدود العقل” انتهى من “مدخل إلى دراسة الفلسفة المعاصرة” (ص91-93)
والغرض من هذا التقرير الفلسفي إطلاع القارئ على القدر الذي ذهب إليه كبار الفلاسفة المعاصرين، واستقرت عليه مدارس فلسفية كبرى، في تعاطيها مع محدودية العقل، مما يعني تجنب كل نفي متسرع يمكن أن يحجب عنا عالما حقيقيا يعيشه الإنسان، لا تتناوله أدوات المختبرات الحديثة. ولكن ذلك لا يعني انفراطا لعقد المعقولية، واللجوء إلى الخرافة، وإنما يعني الدعوة المفهومة إلى “المعقولية” ، و”التواضع” ، و”الأناة” : أمام الأدلة التي ترد بما تحار فيه العقول كما سبق بيانه.
ثالثا:
كما أننا نؤكد لك هنا أن خبر الجساسة، وردم يأجوج ومأجوج، ليسا من المستحيل العقلي، ولا من المستبعد أيضا في عادات الناس ومدارك عقولهم، فأنت تتحدث عن مغارة واحدة يحتبس فيها المسيح الدجال، وما زلنا نسمع في كل يوم عن اكتشاف مغارات أثرية جديدة، لم يكن أحد من البشر قد دخلها ولا اكتشفها قبل ذلك، وهذه الأخبار العلمية لا حصر لها على شبكة الإنترنت، يكفيك أن تكتب كلمتي “اكتشاف مغارة” باللغتين العربية والانجليزية، لترى العديد الهائل من النتائج الموثقة.
فلماذا نحكم باستبعاد وجود الدجال في إحدى المغارات المتوارية في أدغال الجبال والجزر ؟
أو وجود قوم داخل تضاعيف تضاريس جبلية قاسية ، كقوم يأجوج ومأجوج ؟
إن هذا شأن عادي يومي يدركه العلماء والرحالة والمستكشفون في كل يوم، يكفيك أن تطلع على أخبار المستكشفين والمواقع العلمية المعتنية بجهودهم، حتى ندرك معا النقص الهائل في معارف الإنسان، وأهمية سعيه الدؤوب في استكمال هذه المعارف.
طالع معنا مثلا خبرا تناقلته وسائل الإعلام العالمية عن اكتشاف قبائل بدائية في “الأمازون” لم تكن معروفة من قبل .
• https://www.youtube.com/watch?v=nL5h_WcNMJQ
• https://www.youtube.com/watch?v=5xrUYPva4dY
وأخبار علمية أخرى عن اكتشاف مناطق في القطبين الجنوبي والشمالي، أو اكتشاف مناطق أثرية داخل الدول. أو اكتشاف حيوانات جديدة ، تسجل بأسماء جديدة في كل حين، في المعاهد العلمية الكبرى، وكذلك تُكتشف أنواع جديدة من البكتيريا، وأسماء جديدة من الأقمار والكويكبات والنجوم في الفضاء، إلى قائمة يطول حصرها من الأمور التي يستجد العلم بها لبني الإنسان.
والحاصل: أن خبر الجساسة ويأجوج ومأجوج ، عند المنصف ، لن يكون متفردا في هذا المضمار!!
رابعا:
ثم ما المانع أن يكون الله عز وجل قد جعل على عقول الناس وأبصارهم غشاوة تحجبهم عن رؤية هذه الأشراط الكبرى من أشراط الساعة ، قبل أن يحين موعدها، كما أن الله سبحانه جعل بيننا وبين مشاهدة الملائكة والجن عيانا حجابا مستورا يحول دون ذلك، لتبقى هذه المخلوقات جزءا من عالم الغيب الذي أخبرنا الله عز وجل عنه، ونحن نؤمن به ولا شك، رغم أن العلم الحديث لم يثبت لنا وجود هذه المخلوقات، ولكنه في الوقت نفسه لم ينف ذلك أيضا، ولا شك أن من ينفي شيئا من ذلك ، فقد وقع في مغالطة النفي المتسرع التي لا تنبني على مشاهدة، وإنما تبني على فقد العلم، وهذا وجه الغلط، أن عدم العلم بشيء ما ، لا يعني نفي وجوده ؛ بل يعني السكوت إلى حين الوقوف على الإثبات أو النفي الحقيقي.
يقول ابن حزم رحمه الله:
“حتى لو خفي مكان يأجوج ومأجوج والسد فلم يعرف في شيء من المعمور مكانه لما ضر ذلك خبرنا شيئا…
واعلموا أن كل ما كان في عنصر الإمكان، فأدخله مدخل في عنصر الامتناع بلا برهان، فهو كاذب مبطل جاهل أو متجاهل، لا سيما إذا أخبر به من قد قام البرهان على صدق خبره. وإنما الشأن في المحال الممتنع التي تكذبه الحواس والعيان أو بديهة العقل، فمن جاء بهذا فإنما جاء ببرهان قاطع على أنه كذاب مفتر. ونعوذ بالله من البلاء” انتهى من “الفصل في الملل والأهواء والنحل” (1/96)
وفي السؤال رقم (238769) كلام مفصل عن “يأجوج ومأجوج”، وفيه نقل هام عن الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله ، فانظره .
وفي موقعنا مجموعة من الإجابات المهمة المتعلقة بالموضوع، يمكن مراجعتها تحت الأرقام الآتية: (171)، (3437)، (131831)، (161083)، (202532)، (213797)
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android