أريد أن أعرف كيف شك الرسول عليه الصلاة والسلام في ابن الصياد على أنه المسيح الدجال ، علما بأن هذا الأخير سيكون مكتوب على جبينه كافرا ؟ وهل هذا دليل على أن كلمة كافر ستكتب عند خروج المسيح ، أم هي مكتوبة منذ خلقه ؟
لو كان ابن صياد هو الدجال، كيف لم يقرأ النبي عليه الصلاة والسلام كلمة ” كافر ” بين عينيه ؟
السؤال: 286116
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
فإن فتنة المسيح الدجال من أعظم الفتن ، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله في صلاته من شر فتنته .
فروى البخاري في “صحيحه” (7129) ، ومسلم في “صحيحه” (587) ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ: ” سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ “.
إلا أن الله تعالى برحمته وفضله سيجعل أمر الدجال واضحا جليا ظاهرا ، ومن ذلك أن الله تعالى سيجعل بين عينيه كلمة ” كافر ” ، يقرؤها كل مؤمن ، كاتب أو غير كاتب .
فقد روى البخاري في “صحيحه” (7131) ، ومسلم في “صحيحه” (2933) ، من حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ ).
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه ، الذي أخرجه مسلم في “صحيحه” (2934) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ ، أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ ، مَاءٌ أَبْيَضُ ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ ، نَارٌ تَأَجَّجُ ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ ، فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ) .
قال الإمام النووي في “شرح مسلم” (18/60) :” الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَأَنَّهَا كِتَابَةٌ حَقِيقَةٌ ، جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً وَعَلَامَةً مِنْ جُمْلَةِ الْعَلَامَاتِ الْقَاطِعَةِ بِكُفْرِهِ وَكَذِبِهِ وَإِبْطَالِهِ ، وَيُظْهِرُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ وَيُخْفِيهَا عَمَّنْ أَرَادَ شقاوته وفتنته ” انتهى .
أما بخصوص ما ورد في ابن صياد ، وكيف أنه لو كان هو الدجال كيف لم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب بين عينيه ؟
فجواب ذلك ، من وجهين :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم قط في حديث أن ابن صياد هو الدجال ، وإنما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات الدجال ، ثم علم بابن صياد ، فوجد فيه بعض الصفات التي كانت عنده في الدجال ، ولما لم يكن قد أتاه وحي في كون ابن صياد هو الدجال ، أو لا ؛ توقف في أمره ، ولم يقطع فيه بشيء .
والذي يظهر أنه لم يكن قد أتاه صلى الله عليه وسلم وحي بشأن هذه العلامة، حينما كان يشك في أمر ابن صياد.
قال النووي في “شرح مسلم” (18/46) :” قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أم غيره ؟
ولاشك فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ولا غيره ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ ، وَكَانَ فِي بن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لايقطع بأنه الدجال ولا غيره “. انتهى
الوجه الثاني : أن هذه العلامة وغيرها من العلامات التي جاءت في الدجال : إنما تظهر وقت فتنته ، عندما يخرج على الناس آخر الزمان ، فيدعي الألوهية .
فإذا افترضنا أن ابن صياد هو الدجال فعلا ، وهذا على خلاف القول الراجح ؛ فيقال فيه :
إن هذه العلامة لم تكن قد ظهرت وقت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ، وإنما تظهر عند خروجه ، وظهور فتنته في الناس ، آخر الزمان.
قال القاضي عياض في “إكمال المعلم” (8/465) :” وأما احتجاجه هو ( أي ابن صياد ) بحجه البيت ودخوله المدينة ، فليس له فيه دليل ، إنما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لا يدخل مكة ولا المدينة وقت فتنته ” انتهى .
وقال القرطبي في “التذكرة” (784) :” واحتجاجه بأنه مسلم ، وولد له ، ودخل المدينة ، وهو يريد مكة تلبس منه ، وأنه سيكفر إذا خرج ، و حينئذ لا يولد له ، ولا يدخل مكة ولمدينة ” انتهى .
وعلى ذلك نقول :
إنه لو صح أن ابن صياد هو الدجال : فلا يلزم كتابة كلمة ” كافر ” بين عينيه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن وقت خروجه لم يكن قد حان بعد .
وإنما تظهر هذه العلامات ، وغيرها مما جاءت به الأحاديث الصحيحة ، وقت فتنته وعند خروجه على الناس ، وادعائه الألوهية .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (274431) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة