0 / 0

هل يدل حديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة تبكي عند القبر ، فقال الله اتقي الله واصبري . على جواز زيارة النساء للقبور؟

السؤال: 302307

علمت أنه لا يجوز للنساء زيارة القبور ، ثم مرَّ عليّ الحديث الذي فيه : ” أن الرسول مرَّ على امرأة تبكي على قبر فقال لها : ( اتقِ الله واصبري .. ) إلخ الحديث ، فهل في هذا الحديث دليل على جواز زيارة النساء للقبور ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فإن مسألة زيارة النساء للقبور من المسائل الخلافية بين أهل العلم ، والخلاف فيها سائغ .

وقد اختلف أهل العلم فيها على ثلاثة أقوال ، وهي:

الإباحة ، والجواز مع الكراهة ، والتحريم .

قال النووي في “شرح مسلم” (7/45) في أثناء شرح حديث (974) ، وهو من طريق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ ، فَنَادَانِي ، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ ، فَأَجَبْتُهُ ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي ، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ  ، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ  قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ .

قال النووي :” وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ جَوَّزَ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةَ الْقُبُورِ ، وَفِيهَا خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا ، أَحَدُهَا : تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِنَّ لِحَدِيثِ لَعَنِ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ ، وَالثَّانِي يُكْرَهُ ، وَالثَّالِثُ يُبَاحُ “. انتهى

وقد استدل كل فريق على ما يقول بأدلة تؤيد ما ذهب إليه .

ومن الأدلة التي استدل بها الجمهور على جواز زيارة النساء للقبور: هذا الحديث الذي أورده السائل الكريم .

والحديث أخرجه البخاري في “صحيحه” (1283) ، ومسلم في “صحيحه” (926) ، من طريق أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:” مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ:   اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي   قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ ، فَقَالَ:   إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى  .

ووجه الدلالة من الحديث : إقرار النبي صلى الله عليه وسلم زيارة المرأة للقبور، فإنه صلى الله عليه وسلم رآها تبكي في المقابر ، فأمرها بالصبر ، ولم ينهها عن الزيارة ، ولو كانت حراما لنهاها عنها ولما أقرها ، وإقراره حجة ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يسكت على باطل .

قال القرطبي في “المفهم” (8/107) :” قوله : ( فزوروها ) ؛ نصٌّ في النسخ للمنع المتقدم .

لكن اختلف العلماء : هل هذا النسخ عام للرجال وللنساء ، أم هو خاص بالرجال ، وبقي حكم النساء على المنع ؟

والأول أظهر ، وقد دلّ على صحة ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ـ قد رأى امرأة تبكي عند قبر ؛ فلم ينكر عليها الزيارة ، وإنما أنكر عليها البكاء ، كما تقدّم “. انتهى

وقال النووي في “المجموع” (5/310) :” وَأَمَّا النِّسَاءُ : فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ : لَا تَجُوزُ لَهُنَّ الزِّيَارَةُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ . وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ ، وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ [ يعني : جمهور الشافعية ] : أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَهُنَّ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ  .

وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهَيْنِ : أَحَدَهُمَا : يُكْرَهُ ، كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ ، وَالثَّانِي : لَا يُكْرَهُ . قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عندي ، إذا أمِنّ الافتتان .

وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ : وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ ، عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ : حَرُمَ ، قَالَ : وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ : ” لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ ” . وَإِنْ كَانَتْ زيارتهن للاعتبار ، مِنْ غَيْرِ تَعْدِيدٍ وَلَا نِيَاحَةٍ : كُرِهَ ؛ إلَّا إن تكون عجوزا لا تُشتهى ، فَلَا يُكْرَهُ ؛ كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ .

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ ، وَمَعَ هَذَا : فَالِاحْتِيَاطُ لِلْعَجُوزِ تَرْكُ الزِّيَارَةِ ، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؛ فَزُورُوهَا .

وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا : أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي ضِمْنِ الرِّجَالِ .

وَمِمَّا يَدُلُّ أَنَّ زِيَارَتَهُنَّ لَيْسَتْ حَرَامًا : حَدِيثُ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   “مَرَّ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ : اتَّقِي اللَّهَ واصبري “رواه البخارى وَمُسْلِمٌ .

وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَهَا عَنْ الزِّيَارَةِ ” انتهى.

وقال ابن حجر في “فتح الباري” (3/148) :” وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ : فَقِيلَ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ . وَمَحَلُّهُ : مَا إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ .

وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ : حَدِيثُ الْبَابِ ، وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمَرْأَةِ قُعُودَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ ، وَتَقْرِيرُهُ حجَّة ” انتهى .

وقد أجاب القائلون بحرمة زيارة النساء للقبور على هذا الحديث بأنه ليس صريحا في أن المرأة جاءت لزيارة القبور .

قال الشيخ ابن عثيمين في “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (9/429) :” وأما الجواب عن حديث المرأة ، وحديث عائشة ؛ أن المرأة لم تخرج للزيارة قطعا ، لكنها أصيبت ، ومن عظم المصيبة عليها، لم تتمالك نفسها لتبقى في بيتها ، ولذلك خرجت وجعلت تبكي عند القبر مما يدل على أن في قلبها شيئا عظيما لم تتحمله حتى ذهبت إلى ابنها وجعلت تبكي عند القبر ، ولهذا أمرها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تصبر ؛ لأنه علم أنها لم تخرج للزيارة ، بل خرجت لما في قلبها من عدم تحمل هذه الصدمة الكبيرة ؛ فالحديث ليس صريحا بأنها خرجت للزيارة ، وإذا لم يكن صريحا ؛ فلا يمكن أن يعارض الشيء الصريح بشيء غير صريح ” انتهى .

وعلى كل فهذه المسألة من مسائل الخلاف السائغ ، والتي يسع المسلمين الخلاف فيها .

هذا وللقائلين بمنع المرأة من زيارة القبور أدلة تعارض هذا الحديث ، ومن أراد الاستزادة من ذلك فيمكنه مراجعة هذه الأجوبة (210114 )، (212378) ،

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android