في قوله تعالى: (فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا)، وفي قراءة ابن مسعود (فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا)، هل ننسب الخوف والخشية لله تعالى من هذه الآية؟
ما المقصود بالخشية المنسوبة لله في بعض الآيات؟
السؤال: 408903
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
القراءة المذكورة في آية سورة الكهف: رواها الطبري عن قتادة: ” (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين) وكان كافرًا في بعض القراءة. وقوله: (فخشينا) وهي في مصحف عبد الله: «فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرًا”.
“تفسير الطبري” (15/357)، “تفسير ابن أبي حاتم” (7/2380).
وهذه القراءة قراءة شاذة.
انظر: “مختصر ابن خالويه” (85)، و”البحر المحيط” (6/147).
والقراءة الصحيحة في الأشهر من أقوال العلماء هي: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت المصحف العثماني ولو احتمالًا، وصح إسنادها ، فإن اختل ركن من هذه الأركان كانت هذه القراءة شاذة.
قال ابن الجزري: ” كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح إسنادها: فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها ..
ومتى اختل ركن من هذه الأركان أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف .. وهو مذهب السلف الذي لا يعرف من أحدهم خلافه” .
انتهى من ” النشر في القراءات العشر” (1/9).
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (177136)، (312933).
ثانيًا:
ليست الخشية هنا على بابها المعروف في ظاهر اللغة ومشهور الكلام، باتفاق المفسرين.
قال الطبري: “والخشية والخوف توجههما العرب إلى معنى الظن، وتوجه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشيء الذي يدرك من غير جهة الحس والعيان، وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: معنى قوله (خشينا) في هذا الموضع: كرهنا، لأن الله لا يخشى.
وقال في بعض القراءات: (فخاف ربك)، قال: وهو مثل خفت الرجلين أن يعولا، وهو لا يخاف من ذلك أكثر من أنه يكرهه لهما”، انتهى من “تفسير الطبري” (15/357).
وقال ابن قتيبة رحمه الله: ” و(خشيت) بمعنى: (علمت). قال: ( فَخَشِينا أنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانًا وكُفْرًا)، أي علمنا. وفي قراءة أبيّ: فخاف ربك.
ومثله: (إلّا أنْ يَخافا ألّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ) وقوله: (فَمَن خافَ مِن مُوصٍ جَنَفًا أوْ إثْمًا) أي علم.
وقوله: (وأنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ)، لأنّ في الخشية والمخافة طرفا من العلم.” انتهى، من “تأويل مشكل القرآن” لابن قتيبة (121).
وقالَ يَحْيى بن سلام: “تَفْسِيرُ (فَخافَ رَبُّكَ): فَكَرِهَ رَبُّكَ، مِثْلُ قَوْلِهِ: (ولَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ)”. انتهى، من “تفسير يحين ابن سلام” (1/200).
وقال أبو طالب المكي: “ومما يدلك أن الخوف اسم لحقيقة العلم: أن في قراءة أبي بن كعب في قوله تعالى: (فَخَشِيْنَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا) فخاف ربك أن يرهقهما.
وقال يحيى بن زياد النحوي: ومعناه فعلم ربك، وقال: الخوف من أسماء العلم، والله أعلم”، انتهى من “قوت القلوب في معاملة المحبوب” (1/394).
وقال “الثعلبي”: “قوله عز وجل: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا):
أي: فعلمنا، وفي مصحف أُبَيّ – رضي الله عنه – (فخاف ربك) أي علم، ونظائره كثيرة.
وقال قطرب: معناه فكرهنا، كما تقول: فرقت بين الرجلين خشية أن يقتتلا، وليست منك خشية ولكن كراهية أن يقتتلا”، انتهى.
انظر: “تفسير الثعلبي” (17/232)، “التفسير البسيط” (14/118).
ومن النظائر قوله تعالى: (إِلَّا أَنْ يَخَافَا) أي يعلما ويظنا، كما في “معاني القرآن” للفراء (2/ 157).
والحاصل:
أنه لا يجوز نسبة الخشية أو الخوف لله جل جلاله، بالمعنى المشهور في اللغة، ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم، فيما رأينا، وإنما “الخشية” المذكورة هنا، إن كانت مضافة إلى الله جل جلاله: فهي بمعنى: العلم، أو الكراهة للأمر.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة