تنزيل
0 / 0

حكم دراسة وقراءة كتب التفسير التي وقع أصحابها في بعض البدع

السؤال: 409878

ما حكم دراسة “تفسير مدارك التنزيل للنسفي”، و”تفسير البيضاوي”؛ يعني: هل هم من علماء أهل السنة أو من غيرهم كالأشاعرة مثلا؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:

“البيضاوي”، هو الإمام ‌‌‌عبد ‌الله ‌بن ‌عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي، أبو سعيد، أو أبو الخير، ناصر الدين: قاض، مفسر، عالم بالفقه والأصلين والعربية والمنطق والحديث، من أعيان الشافعية. ولد في المدينة البيضاء – قرب شيراز -، وولي قضاء شيراز مدة، وصرف عنه، فرحل إلى تبريز وتوفي فيها.

من تصانيفه الكثيرة “أنوار التنزيل وأسرار التأويل” طبع، ويعرف بتفسير البيضاوي.

قال صاحب كشف الظنون: “وتفسيره هذا كتاب عظيم الشأن، غني عن البيان، لخص فيه من الكشاف ما يتعلق بالإعراب والمعاني والبيان، ومن التفسير الكبير ما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن تفسير الراغب ما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات، وضم إليه ما ورى زنادُ فكره من الوجوه المعقولة والتصرفات المقبولة، فجلا رَيْن الشك عن السريرة، وزاد في العلم بسطة وبصيرة …” انتهى.

انظر: “معجم المفسرين من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر” (1/318)، “الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة” (2/1378).

وقال عنه “السيوطي: ” وسيد المختصرات منه – يعني: من الكشاف – كتاب “أنوار التنزيل وأسرار التأويل” للقاضي ناصر الدين ‌البيضاوي، لخصه فأجاد، وأتى بكل مستجاد، وماز منه أماكن الاعتزال، وطرح مواضع الدسائس وأزال، وحرر مهمات، واستدرك تتمات، فبرز كأنه سبيكة نُضَار، واشتهر اشتهار الشمس في وسط النهار، وعكف عليه العاكفون، ولهج بذكر محاسنه الواصفون، وذاق طعم دقائقه العارفون، فأكبّ عليه العلماء والفضلاء تدريسا ومطالعة، وبادروا إلى تلقيه بالقبول رغبة فيه ومسارعة، ومرّوا على ذلك طبقة بعد طبقة، ودرجوا عليه من زمن مصنفه إلى زمن شيوخنا متسقة” انتهى.

“حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي” (1/13 بترقيم الشاملة آليا).

وقد كثرت الحواشي عليه، وخدم خدمة فائقة، ومن أهم حواشيه:

1- “حاشية الشهاب الخفاجي” (ت: 1069)، “عناية القاضي وكفاية الراضي”.

2- “حاشية شيخ زاده” (ت: 951)، ولعلها أنفس حواشيه.

3- “حاشية القونوي” (ت: 1195)، وهي أوسع حواشيه، وأطولها.

والإمام “البيضاوي” أشعري العقيدة، كما لا يخفى على دارس.

وينظر للفائدة، حول المذهب الأشعري: الأجوبة رقم: (226290)، (326243).

ثانيًا:

“النسفي”، هو الإمام “‌‌عبد الله بن أحمد بن محمود ‌النسفي، أبو البركات، حافظ الدين: مفسر، متكلم، أصولي، من فقهاء الحنفية.

من أهل إيذج – كورة وبلدة بين خوزستان وأصبهان – ونسبته إلى “نسف” من بلاد السند، بين جيحون وسمرقند، تتلمذ لشيوخ كثيرين، ورحل إلى بغداد.

قال في “الفوائد البهية”: “كان إماما عديم النظير في زمانه، رأسا في الفقه والأصول، بارعًا في الحديث ومعانيه … “.

من كتبه “مدارك التنزيل وحقائق التأويل” في التفسير، طبع، “وهو كتاب وسط يعرض لوجوه الإعراب والقراءات، ولشيء من البيان والبديع.

والصحيح: ما قاله صاحب كتاب “الماتريدية” من أن النسفي ماتريدي العقيدة، وليس أشعري العقيدة كما ذهب إلى ذلك “المغراوي”.

انظر: “معجم المفسرين من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر” (1/ 304 – 305)، “الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة” (2/1329).

وقد تحدثنا عن الماتريدية في الجواب رقم: (205836)، (22473).

“وقد استفاد من تفسيري ‌البيضاوي والكشاف أيما استفادة، فأخذ من ‌البيضاوي معناه الدقيق، وفهمه الواعي، وتوجيهه السديد، وإيجازه المركز .. وأخذ من الزمخشري في كشافه خبرته الواسعة باللغة، ومناقشته للآراء المتعددة، واختيار ما يراه .. على أنه لم يقع فيما وقع فيه الزمخشري في كشافه من التعصب لمذهب الاعتزال، وحمل الآيات في تعسف على تأييد أصوله وقواعده” انتهى من “مناهج المفسرين” منيع عبدالحليم (217).

ثالثًا:

إن “أهل السنَّة والجماعة منصفون في الحكم على الآخرين، لا يرفعون الناس فوق ما يستحقون، ولا ينقصون قدرهم، ومن الإنصاف بيان خطأ المخطئ من أهل العلم والفضل، والتأول له، والترحم عليه، كما أن من الإنصاف التحذير من خطئه ؛ لئلا يغتر أحد بمكانته فيقلده فيما أخطأ فيه، وأهل السنَّة لا يتوانون عن الحكم على المخالف المتعمد للسنَّة بأنه مبتدع ضال.

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة، كالأسماء والصفات، وغيرها، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة، فما حكم الترحُّم عليهم؟

الشيخ: مثل مَن؟

السائل: مثل: الزمخشري، والزركشي، وغيرهما.

الشيخ: الزركشي في ماذا؟

السائل: في باب الأسماء والصفات.

فأجاب:

“على كل حال، هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة، كالمعتزلة مثلًا، ومنهم الزمخشري، فالزمخشري مُعتزلي، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم: حَشَوِية، مُجَسِّمة، ويُضَلِّلهم فهو معتزلي، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه “الكشاف” في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات، لكنه من حيث البلاغة، والدلالات البلاغية اللغوية جيد، يُنْتَفع بكتابه كثيرًا، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئًا.

لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع، لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع ؛ مثل ابن حجر العسقلاني، والنووي رحمهما الله، فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحًا تامًّا مطلقًا من كل وجه، حتى قيل لي: إن بعض الناس يقول: يجب أن يُحْرَقَ “فتح الباري” ؛ لأن ابن حجر أشعري، وهذا غير صحيح، فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحدًا قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه، ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته – ولا أَتَأَلَّى على الله – قد قبلها: ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس، لدى طلبة العلم، بل حتى عند العامة، فالآن كتاب “رياض الصالحين” يُقرأ في كل مجلس ويُقرأ في كل مسجد، وينتفع الناس به انتفاعًا عظيمًا، وأتمنى أن يجعل الله لي كتابًا مثل هذا الكتاب، كلٌّ ينتفع به في بيته، وفي مسجده، فكيف يقال عن هذين: إنهما مبتِدعان ضالان، لا يجوز الترحُّم عليهما، ولا يجوز القراءة في كتبهما ! ويجب إحراق “فتح الباري”، و “شرح صحيح مسلم”؟! سبحان الله! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال، وبلسان المقال:

أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ * مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا

من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان، إلا أن يشاء الله، فأنا أقول: غفر الله للنووي، ولابن حجر العسقلاني، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين، وأمِّنوا على ذلك” انتهى من “لقاءات الباب المفتوح” (43/السؤال رقم 9)”.

وانظر الجواب رقم: (107645)، (291372)، (161770)، (261760).

رابعًا:

ولا بد أن توزن كتب التفسير بهذا الميزان الدقيق، فيقال: لا شك أن الانتفاع بتفسيري “البيضاوي” و”النسفي” يحتاج إلى دراية بعلم التفسير، بل وسائر العلوم؛ لأنها من الكتب التي اعتنت بضغط (العبارة)، فلذلك يحتاج إلى خبير لفكه، والتعامل معه، ومما يحتاجه من يعاني هذه الكتب ويحاول دراستها: أن يكون على دراية كافية بعقيدة أهل السنة، لينجو من الأخطاء التي وقعت في هذين الكتابين وغيرهما من الكتب.

غير أن وجود الأخطاء في هذه الكتب لا يعني اطراحها، وعدم الانتفاع بها.

وسننقل جملة نصوص فيها نقد من “شيخ الإسلام ابن تيمية” لبعض كتب التفسير، لننظر إلى الميزان الذي ينبغي أن توزن به هذه الكتب.

قال عن “تفسير الزمخشري” (ت: 538): “ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة فصيحًا، ويدس البدع في كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون؛ كصاحب الكشاف ونحوه، حتى إنه يروج على خلق كثير ممن لا يعتقد الباطل، من تفاسيرهم الباطلة ما شاء الله.

وقد رأيت من العلماء المفسرين وغيرهم من يذكر في كتابه وكلامه من تفسيرهم ما يوافق أصولهم التي يعلم أو يعتقد فسادها ولا يهتدي لذلك”، انتهى.

وقال عن “تفسير ابن ‌عطية” (ت: 542)” الموسوم بالمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: “وتفسير ابن ‌عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه: لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيرًا ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجلِّ التفاسير وأعظمها قدرًا، ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة؛ لكن ينبغي أن يعطى كلُّ ذي حق حقه، ويُعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب”.

ففي هذه العبارة تحدث “شيخ الإسلام” عن تفسير “ابن عطية” (ت: 542)، ووازن بينه وبين تفسير “الزمخشري” (ت: 538)، فجعله أتبع للسنة من تفسير “الزمخشري” (ت: 538)، وذلك حقٌّ، فابن عطية (ت: 542) أشعريٌّ، والأشاعرة أقرب إلى السنة (منهج السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم) من المعتزلة، لكن هذا ليس من المدح المطلق، بل فيه عدل في الحكم على العلماء، والميزان في ذلك القرب من الحق والبعد عنه.

ثمَّ نبَّه على وقوع “ابن عطية” (ت: 542) في خلل من جهة ترك تفسير السلف إلى أقوال بعض أئمة الأشاعرة كـ”ابن فورك” (ت: 406)، و”الجويني” وغيرهم ممن ينعتهم بالمحققين.

انظر: “شرح مقدمة في أصول التفسير”، لابن تيمية، شرح د. مساعد الطيار(227 – 234).

وقال رحمه الله في “الفتاوى” (13/ 385-388): “وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها: فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي، وحذف منه الأحاديث الموضوعة، والبدع التي فيه، وحذف أشياء غير ذلك.

وأما الواحدي، فإنه تلميذ الثعلبي، وهو أخبر منه بالعربية؛ لكن الثعلبي فيه سلامة من البدع، وإن ذكرها تقليدًا لغيره.

وتفسيره وتفسير الواحدي (البسيط، والوسيط، والوجيز) فيها فوائد جليلة، وفيها غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها.

وأما الزمخشري، فتفسيره محشوٌّ بالبدعة، وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن، وأنكر أن الله مريد للكائنات وخالق لأفعال العباد، وغير ذلك من أصول المعتزلة.

… وتفسير القرطبي خير منه بكثير، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة، وأبعد عن البدع، وإن كان كل من هذه الكتب لا بد أن يشتمل على ما ينقد؛ لكن يجب العدل بينها، وإعطاء كل ذي حق حقه.

وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري، وأصح نقلاً وبحثًا، وأبعد عن البدع، وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير؛ بل لعله أرجح هذه التفاسير؛ لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها”، انتهى.

والحاصل:

أن التفسيرين المذكورين: تفسير البيضاوي، وتفسير النسفي، كتابان مختصران نافعان لطالب العلم؛ لكن لا ينتفع بهما حق الانتفاع إلا طالب علم، ناضج الآلة. ولو قرأهما على شيخ متحقق: لكان أحسن، وأنفع له. مع ما في كل منهما من البدع المخالفة لطرائق أهل السنة والجماعة في أبواب الاعتقاد. وقد جعل الله لكل شيء قدرا.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (107645)، ورقم: (161770). 

والله أعلم

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android