تنزيل
0 / 0

لماذا اختلف ترتيب الأحداث في قصة لوط عليه السلام؟

السؤال: 420283

يتكرر جزء من قصة لوط عليه السلام في سورة هود/ 77-81، وسورة الحجر/61-71، قال أحدهم: أن هذا تناقض، لأن الطريقة التي تحدث بها الأشياء تنقلب، على سبيل المثال، يقول: إنه عندما أمر الملائكة لوط عليه السلام بالمغادرة ليلاً، في سورة الحجر ، أمروه بفعل ذلك قبل وصول قوم لوط، بينما في سورة هود أمروه بالمغادرة ليلاً بعد وصول الناس،
أرجو دحض هذه الحجة الشبهة، وشرح سبب اختلاف الروايات عند تكرارها في القرآن من حيث ترتيب حدوث الأشياء أو اختلاف طريقة سردها؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:

تكرار القصة في القرآن من سمات القرآن الكريم؛ لأن “إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة لا يخفى ما فيه من الفصاحة”، كما يقول “الزركشي”.

“البرهان في علوم القرآن” (3/26).

وقد ذكرنا طرفًا من ذلك، في الأجوبة: (140060)، (82856).

ثانيًا:

قال الله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ )هود/77-81.

وقال: (فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ * وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) الحجر/61-77.

استشكل السائل ترتيب أحداث القصة بين السورتين الكريمتين، ففي سورة (الحجر) أخبروه أنهم رسل الله قبل أن يأتي قومه، وفي سورة (هود) أخبروه بعد ذلك؟

والجواب:

“لا شك أن سياق سورة هود هو سياق قصة لوط ، كما يدل عليه غيره من الآيات، ويدل عليه أيضًا قوله في الحجر: (إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ).

فلو كان يعلم أنَّهم ملائكة، لما قال هذا الكلام لقومه.

وليس في الحجر ما يدل على خلاف هذا، وكون الآيات قدمت كلام الملائكة مع أنه متأخر حدوثًا، فهذا لا يضر لحكمة معينة، والواو لا تقتضي الترتيب”، انتهى من “دعاوى الطاعنين في القرآن الكريم” (363).

قال الإمام ابن كثير: “يخبر تعالى عن مجيء قوم لوط لما علموا بأضيافه وصباحة وجوههم، وأنهم جاءوا مستبشرين بهم فرحين، قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون

وهذا إنما قاله لهم، قبل أن يعلم بأنهم رسل الله، كما قال في سياق سورة هود.

وأما هاهنا ‌فتقدم ‌ذكر ‌أنهم ‌رسل ‌الله، وعطف بذكر مجيء قومه ومحاجته لهم؛ ولكن الواو لا تقتضي الترتيب، ولا سيما إذا دل دليل على خلافه”، انتهى من “تفسير ابن كثير” (4/ 542).

وقال ابن عاشور: “عطف جزء من قصة قوم لوط، وهو الجزء الأهم فيها.

ومجيء أهل المدينة إليه ومحاورته معهم: كان قبل أن يعلم أنهم ملائكة، ولو علم ذلك لما أشفق مما عزم عليه أهل المدينة، لما علم بما عزموا عليه بعد مجادلتهم معه، كما جاء في قوله تعالى: (قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك في [سورة هود : 81].

والواو لا تفيد ترتيب معطوفها”، انتهى من “التحرير والتنوير” (14/66).

ونقل أبو حفص النسفي عن “الماتريدي” قوله: “هذه القصة وما قبلها من القصص في هذه السورة وغيرها، وورودها بألفاظ مختلفة في آيات دليل على أن العبرة لاتفاق المعاني، فإن هذه المخاطبات لم تكن مرارا، بل مرة، ومع ذلك وردت على وجوه، فدل أن اختلاف الألفاظ وتغيرها، لا يوجب اختلاف الحكم، بعد أن لا يغير المعنى، وذلك أن الخبر إذا أدي معناه على اختلاف لفظه، فإنه يجوز” انتهى من “التيسير في التفسير” (9/209).

على أن الإمام “ابن عطية” ذكر في الآية احتمالًا آخر؛ أن تكون تلك المحاورة من لوط عليه السلام لقومه، بعد علمه بالملائكة، استدراجا لهم، وتهكما بحالهم، مع ما يكون من مآلهم. قال:

” يحتمل أن يرجع إلى وصف أمر جرى، قبل إعلام لوط بهلاك أمته. ويدل على هذا أن محاجة لوط لقومه في الأضياف، تقتضي ضعف من لم يعلم إهلاكهم، وأن الأضياف ملائكة.

ويحتمل قوله: (‌وَجاءَ ‌أَهْلُ ‌الْمَدِينَةِ) أن يكون بعد علمه بهلاكهم، وكان قوله ما يأتي من المحاورة على جهة التكتم عنهم، والإملاء لهم، والتربص بهم”. “تفسير ابن عطية” (5/ 736) ط قطر.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android