قرأت رواية عن نزول آية التيمم، وجاء فيها أن السيدة عائشة عندما فقدت عقدها، فنزلوا ليبحثوا عنه، وفي مجريات الرواية نزلت آية التيمم، فدل ذلك على أنهم كانوا معها وحولها عند فقدان عقدها، وفي رواية أخرى التي روتها السيدة عائشة عن حادثة الأفك أنهم تركوها، ورحلوا دون أن يدركوا أنها ليست موجودة معهم، وتكملة الرواية، ومن ثم الحادثة التي وقعت. سؤالي: ما الصحيح في ذلك؟ وكيف كانوا معها عندما وقع عقدها؟ ومن ناحية أخرى كيف ذهبوا وتركوها وحدثت حادثة الأفك، لا أستطيع الربط بين الروايتين أرجو الإفادة.
قصة ضياع العقد ونزول آية التيمم، و ضياع العقد في قصة الإفك، هل هي حادثة واحدة؟
السؤال: 484639
ملخص الجواب
الرّاجح أن قصة فقد عائشة رضي الله عنها لعقدها في حادثة الإفك، هي غير قصة فقدها لعقدها التي نزلت بسببها آية التيمم. فقصة الإفك وقعت في غزوة بني المصطلق، وكانت سنة خمس، وأمّا قصة التيمم، فكانت بعد ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قصة فقد أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لعقدها وتخلفها عن الجيش للبحث عنه، وما تبع ذلك من حادثة الإفك: رواها البخاري (2661)، ومسلم (2770): عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: " عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِنْهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، زَعَمُوا: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَهُ، بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي، أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ فَاحْتَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ، حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ يَدَهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ … ".
وقصة فقدها لقلادتها أو عقدها، ونزول آية التيمم عقب ذلك، رواها البخاري (4607) ومسلم (367): عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ، أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، وَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا الْعِقْدُ تَحْتَهُ".
فتشابه القصتين في قضية ضياع العقد، يوهم أن القصة واحدة اختلف الرواة في سياقها.
لكنّ الذي يظهر من سياق القصتين أنّهما حادثتان منفصلتان، وليستا حادثة واحدة؛ ففي قصة الإفك سار الجيش ولم يبق منهم أحد، وتخلفت عائشة رضي الله عنها منفردة للبحث عن عقدها، وهي التي تولت أمر البحث عن العقد.
وأما في قصة نزول آية التيمم، فالجيش كله تخلف معها وانتظرها، وتولّى البحث عن العقد بعض الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد استأنس بعض أهل العلم إلى كونهما حادثتين مختلفتين، بما رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (23/121)، قال: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبَّادٍ الْخَطَّابِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، حدثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: ( لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي، حَتَّى حَبَسَ الْتِمَاسُهُ النَّاسَ، وَاطَّلَعَ الْفَجْرُ، فَلَقِيتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَا شَاءَ اللهُ، وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّةُ فِي سَفَرٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ الرُّخْصَةَ بِالتَّيَمُّمِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَا وَاللهِ يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لِمَا عَلِمْتُ مُبَارَكَةٌ).
قال علاء الدين مغلطاي رحمه الله تعالى:
" وفي "معجم الطبراني" بإسناد لا بأس به؛ بل لو حُسّن لم ينكر ذلك، ما يدلّ على أنّ عقدها سقط مرّتين، وأنّ التيمم نزل بعد الإفك، وكان الأول في سنة خمس، فيترجح قول من قال: كان التيمم سنة ست، وفيه بيان لقول أسيد: ما هي بأوّل بركتكم " انتهى من "شرح سنن ابن ماجه" (2/324 ).
والأقرب أن إسناد هذا الخبر ضعيف؛ فشيخ الطبراني القاسم بن عباد مجهول الحال، ومحمد بن حميد ترك جمع من أهل العلم حديثه.
لكن رواه الإمام أحمد في "المسند" (43/362) من طريق آخر إلى ابن إسحاق من غير جملة: ( لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ ، قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا). قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:
( أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِتُرْبَانَ – بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ بَرِيدٌ وَأَمْيَالٌ، وَهُوَ بَلَدٌ لَا مَاءَ بِهِ – وَذَلِكَ مِنَ السَّحَرِ، انْسَلَّتْ قِلَادَةٌ لِي مِنْ عُنُقِي، فَوَقَعَتْ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِالْتِمَاسِهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَلَيْسَ مَعَ الْقَوْمِ مَاءٌ. قَالَتْ: فَلَقِيتُ مِنْ أَبِي مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ مِنَ التَّعْنِيفِ وَالتَّأْفِيفِ، وَقَالَ: فِي كُلِّ سَفَرٍ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْكِ عَنَاءٌ وَبَلَاءٌ؟ قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللهُ الرُّخْصَةَ بِالتَّيَمُّمِ، قَالَتْ: فَتَيَمَّمَ الْقَوْمُ وَصَلَّوْا. قَالَتْ: يَقُولُ أَبِي حِينَ جَاءَ مِنَ اللهِ مَا جَاءَ مِنَ الرُّخْصَةِ لِلْمُسْلِمِينَ: وَاللهِ – مَا عَلِمْتُ يَا بُنَيَّةُ – إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ، مَاذَا جَعَلَ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي حَبْسِكِ إِيَّاهُمْ مِنَ الْبَرَكَةِ وَالْيُسْرِ؟ ).
وقال محققو المسند: " حديث صحيح، وهذا إسنادٌ حسن من أجل ابن إسحاق -وهو محمد- وبقيةُ رجاله ثقات رجال الشيخين، غير يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة " انتهى.
فقول أبي بكر رضي الله عنه: ( فِي كُلِّ سَفَرٍ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْكِ عَنَاءٌ وَبَلَاءٌ؟ ) : يشير بوضوح إلى أنه قد حدث لابنته حادثة في سفر سابق، وليس هناك إلا حادثة الإفك، وهذا يفهم منه أنهما حادثتان منفصلتان.
وقول أسيد بن حضير، رضي الله عنه، لأم المؤمنين: ( مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا الْعِقْدُ تَحْتَهُ ).
ومن الواضح – أيضا – : أن أسيدا قال مقالته هذه وهم في سفرهم ، بعد نزول آية التيمم مباشرة، وأما حادثة الإفك فالفرج ونزول الآيات بسببها إنما حصل بعد رجوعهم إلى المدينة، كما هو معلوم من قصة الإفك.
وفي رواية عند البخاري (5164)، ومسلم (367): فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: ( جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا جَعَلَ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجُعِلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةٌ ).
فقول أسيد رضي الله عنه يشير إلى أن عائشة رضي الله عنها نزل عليها قبل ذلك أمر تكرهه، وليس هناك إلا قصة الإفك، فيدل هذا على أن قصة التيمم هذه جاءت بعد حادثة الإفك.
قال ابن القيم، رحمه الله، وهو يتكلم عن "غزوة المريسيع":
" وهذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد هذه الغزوة، وهو الظاهر.
ولكن فيها: كانت قصةُ الإفك بسبب فقدِ العقد والتماسِه، فاشتبه على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى، والله أعلم". انتهى، من "زاد المعاد" (3/301).
وقوله: "بعد هذه الغزوة": مراده أن "آية التيمم": لها قصة في سفرة أخرى، زمانها متأخر عن هذه العزوة.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وأما قول أسيد بن حضير لعائشة رضي الله عنها: ( جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إِلَّا جَعَلَ اللهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا ).
فيه إشعار بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، وقد تقدم أن بعض أهل السير ذكر أن هذه القصة كانت هي وقصة الإفك في سفرة واحدة، وهذا يُشْكِل عليه قول أسيد بن حضير هذا؛ فإن الفرج الذي حصل من قضية الإفك: إنّما وقع بعد قدومهم المدينة بمدة، وظاهر سياق حديث عائشة يدل على أن أسيد بن حضير قَالَ ذَلكَ عقيب نزول آية التيمم.
وقد زعم بعضهم: أن هذا قاله أسيد بن حضير بعد نزول الآيات في قصة الإفك، وبعد نزول آية التيمم، وهو مخالف لظاهر هذه الرواية. والله أعلم " انتهى من "فتح الباري" (2/223).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وفي "تفسير إسحاق البستي" من طريق ابن أبي مليكة، عنها، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( مَا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةَ قِلَادَتِكِ )، وفي رواية هشام بن عروة الآتية في الباب الذي يليه: ( فوالله ما نزل بك من أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه خيرا )، وفي النكاح من هذا الوجه: ( إِلَّا جَعَلَ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجُعِلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةٌ )، وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فيقوى قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد، وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الإخباري، فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق.
وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزاتين كانت أولا " انتهى. "فتح الباري" لابن حجر (1/434).
وحادثة الإفك كانت في غزوة بني المصطلق والتي تسمى أيضا بـ "غزوة المريسيع".
وقد بوّب البخاري، كما في "الفتح" (7/428):
" بَابُ غَزْوَة بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهْي غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ، وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ حَدِيثُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ".
وقد رجّح ابن حجر أن هذه الغزوة كانت في سنة خمس، وساق ما يؤكد قوله.
وقال ابن الملقن رحمه الله تعالى:
" أجمع أهل السّير أن قصة الإفك كانت في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق. وفي "الصحيح" أنه ضاع عقدها في هذه الغزوة كما سلف.
وقد اختُلف في تاريخ خروجه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغزوة على أقوال ثلاث: سنة أربع، خمس، ستّ، وقد حكيناها لك آنفا.
ثم اختلفوا متى فرض التيمم؟ على قولين:
أحدهما: في المريسيع سنة ستّ، قاله ابن التين وابن بزيزة في "شرح الأحكام الصغرى".
ثانيهما: سنة أربع. قَالَ ابن الجوزي: زعمَ ابن حبيب أنَّ عقدها سقط في الرابعة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق سنة ستّ قصة الإفك.
قلتُ: يرد هذا رواية الطبراني السالفة: أن الإفك قبل التيمم " انتهى من "التوضيح" (5/ 154).
وعلى القول بأنّ آية التيمم نزلت في غزوة ذات الرقاع، فهذه الغزوة قد رجّح البخاري أنها كانت متأخرة بعد غزوة خيبر؛ مستدلا على ذلك بأن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قد شهدها، وهو لم يقدَم إلى المدينة إلا بعد فتح خيبر.
فروى (4128) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا. وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا، ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ".
وبوّب عليه بقوله: " بَابُ غَزْوَة ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهْيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلًا، وَهْيَ بَعْدَ خَيْبَرَ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ " انتهى.
وخيبر كانت بداية سنة سبع للهجرة.
وقد ذهب إلى قول البخاري هذا جمع من أهل العلم لقوة دليله ووضوحه.
والخلاصة:
الرّاجح أن قصة فقد عائشة رضي الله عنها لعقدها في حادثة الإفك، هي غير قصة فقدها لعقدها التي نزلت بسببها آية التيمم. فقصة الإفك وقعت في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع، وكانت سنة خمس كما رجّح ذلك ابن حجر، وأمّا قصة التيمم، فكانت بعد ذلك، كما يدل على ذلك قول أبي بكر: ( فِي كُلِّ سَفَرٍ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْكِ عَنَاءٌ وَبَلَاءٌ؟ )، وكذا قول أسيد بن حضير: ( مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ ) وفي رواية: ( وَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا جَعَلَ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجُعِلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةٌ ).
وعلى القول بأنّ آية التيمم نزلت في غزوة ذات الرقاع، فالراجح أن هذه الغزوة بعد خيبر سنة سبع من الهجرة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب