أرجو الرد على شبهة من يدعي تعارض الآية ) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( ، والآية ) قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (، وتعارض الآية ( قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) والآية ( قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) .
إشكال حول اختلاف نظم الآيات ، في قصة واحدة ، بين سورة وأخرى
السؤال: 228911
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الآيات التي تسأل عنها هي : قول الله تعالى : ( قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ، قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ) الأعراف/ 109 – 112 .
وقول الله تعالى : ( قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ، قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ) الشعراء 34 – 37 .
ففي سورة الأعراف نسب القول للملأ ، وفي سورة الشعراء نسب لفرعون ، وهذا ليس تعارضا ، لأن الجميع قد قالوا هذا القول ، ومن شأن الحاشية أن تردد كلام ملكها ، فهم جميعا قالوا : (إن هذا لساحر عليم) .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : “( قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ )
أي : قال الملأ – وهم الجمهور والسادة من قوم فرعون – موافقين لقول فرعون فيه ، بعد ما رجع إليه روعه ، واستقر على سرير مملكته بعد ذلك ، قال للملأ حوله -: ( إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) فوافقوه وقالوا كمقالته ، وتشاوروا في أمره ، وماذا يصنعون في أمره … ” .
انتهى من ” تفسير ابن كثير ” ( 3 / 455 ) .
وقال أبو حيان الأندلسي رحمه الله تعالى :
” ( قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) وفي الشعراء : ( قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) .
والجمع بينهما : أن فرعون وهم قالوا هذا الكلام ، فحكى هنا قولهم ، وهناك قوله .
أو قاله ابتداء ، فتلقفه منه الملأ ، فقالوه لأعقابهم ، أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ ، كما تفعل الملوك ؛ يرى الواحد منهم الرأي ، فيكلم به من يليه من الخاصة ، ثم تبلغه الخاصة العامة ” انتهى من ” البحر المحيط ” ( 4 / 358 ) .
فإن قيل : إذا كانوا كلهم قد قالوه ، فما وجه مناسبة تنويع نسبة هذا القول ، فمرةً نسب إلى فرعون ، ومرة أخرى إلى الملأ ؟
فالجواب :
أن نسبة القول جاءت في كل موضع موافقة لسياق القصة.
ففي سورة الأعراف ذكر الملأ في بداية القصة وأن موسى عليه السلام أرسل إليهم ،
فناسب ذلك أن يذكر ردهم حين خاطبهم موسى عليه السلام ، وأراهم الآيات .
وأما في سورة الشعراء ، فلم يذكر فيها الملأ .
قال الله تعالى : ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) الأعراف/ 103.
قال أبو جعفر بن الزبير الغرناطي رحمه الله تعالى :
” بقى السؤال عن جه اختصاص كل سورة بما خصت به ؟
والجواب أنه لما تقدم في سورة الأعراف قوله تعالى : ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) ، فوقع ذكر الملأ مبعوثا إليهم مع فرعون ، ناسب ذلك أن يذكروا في الجواب حتى يكون في قوة أن لو قيل : بعث إليهم وخوطبوا ، فقالوا ، ولم يكن ليناسب ” بعث إليهم ” فقال : فرعون …
فإن قيل: فقد قيل في الأعراف : ( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) فقدم فرعون ، فهو أعمد من الملأ لأنهم أتباعه وآله ، فلِمَ لمْ يُبنَ الجواب على ذلك فيقال ” قال فرعون ” ؟
فالجواب : أنه لو قيل : قال فرعون لبقى التشوف إلى تعريفهم قول الملأ وهم قد بعث إليهم وخوطبوا ولابد من تعرف جوابهم …
ثم قال : ” ولما تقدم في سورة الشعراء قوله : ( فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ ) ثم جرى ما بعد المحاورة ومراجعة الكلام بين موسى ، عليه السلام ، وفرعون ، ولم يقع الملأ هنا ، ناسب ذلك قوله ” قال فرعون ” لأنه الذى راجع وخوطب ، فجاء كل على ما يناسب ” .
انتهى من ” ملاك التأويل ” ( 1 /214- 215 ) .
وقال البقاعي رحمه الله تعالى : “( إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) أي شديد المعرفة بالسحر ، وخص في هذه السورة إسناد هذا الكلام إليه ، لأن السياق كله لتخصيصه بالخطاب ، لما تقدم … ولا ينفي ذلك أن يكون قومه قالوه إظهاراً للطواعية – كما مضى في الأعراف ” .
انتهى من ” نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ” ( 14 / 29 ) .
ثانيا :
قال الله تعالى في سورة الأعراف : ( قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) الأعراف/106 .
وقال سبحانه في سورة الشعراء : ( قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ ، قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) الشعراء /31 .
ففي سورة ” الأعراف ” ( فَأْتِ بِهَا ) فأنث الضمير لأنه راجع إلى لفظ ( آيَةٍ ) وهي مؤنثة.
وفي سورة ” الشعراء ” ( فَأْتِ بِهِ ) فذكّر الضمير لأنه راجع إلى ( شَيْءٍ مُّبِينٍ ) وهو لفظ مذكَّر .
ولعل وجه الإشكال عند السائل هو :
أن الواقعة واحدة ، ولا بدّ أن فرعون قال لفظا واحدا ، فلماذا جاء في القرآن بلفظين ؟
والجواب :
من المعلوم ، أن الحوار بين موسى عليه السلام وفرعون لم يكن باللغة العربية ، وإنما كان بلغتهم ، وهذا القرآن قد نزل بلسان عربي مبين .
فالله سبحانه وتعالى يذكر لنا معنى الحوار الذي جرى بينهم ، وليس نفس ألفاظ الحوار لأن اللغتين مختلفتان .
ونقل معنى كلام ما ، إلى لغة أخرى : يجوز أن يُعبَّر عنه بأي لفظ يدل على المعنى ، ولا يشترط الالتزام بلفظ معين ، بل التنويع في التعبير ، مع الحفاظ على المعنى : هو من البلاغة المحمودة .
و ” الآية “، “والشيء المبين ” في لغة العرب : معناهما واحد ، وهو : كل ما يدل بوضوح على الحق ويميزه عن الباطل .
قال أبو جعفر بن الزبير الغرناطي رحمه الله تعالى في مسألة شبيهة بموضوعنا :
” والجواب عن السؤال الأول : أن قول موسى ، عليه السلام ، لا توقف في أنه لم ترد حكايته إلا بالمعنى ، لاختلاف اللسانين كما تقدم ، وإذا تقرر كونها بالمعنى ، والترادف فيما بين اللغتين ، في كل لفظتين يراد بهما معنى واحد ، غير مطرد ؛ فلا إشكال في أن المعنى قد يتوقف حصوله ، على الكمال ، على تعبيرين أو أكثر ، لا سيما مع ما في اللسان العربي من الاشتراك والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والحقيقة والمجاز ، وغير ذلك من عوارض الألفاظ ، فكيف ينكر اختلاف التعبير عن المعنى الواحد بألفاظ وعبارات مختلفة ؟!
بل نقول : إنه لو كان المحكي قولاً عربياً ، وحكي بالمعنى : لما استُنكر اختلاف العبارة ، فكيف مع اختلاف اللسانين ؟ ” انتهى من ” ملاك التأويل ” ( 2 / 337) .
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم : ( 140060 ) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة