تنزيل
0 / 0

تفسير (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض)

السؤال: 214126

عندي استفسار بخصوص الآية : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) السجدة/5 ؛ ففي هذه الآية: هل المقصود أن الله يدبر الأمر ويرسله إلى الأرض "بواسطة الملائكة"، ثم ترجع إليه الملائكة بالخبر، كل ذلك في ألف سنة؟ فإذا كانت كذلك، فهل ينتظر الله حتى تعود إليه الملائكة، لكي يعلم رد فعل الأمر الذي تم إنزاله؟ أقصد أن علم الله واسع، فلماذا ينتظر حتى تعود إليه الملائكة بالخبر؟

ملخص الجواب

يقول الله عز وجل (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) أي يكون تدبير الله جل جلاله لأمره من السماء إلى الأرض ثم عروج الملائكة إليه بذلك كله في يوم واحد مقدار هذا اليوم في حساب الناس ألف سنة مما عندهم من الأيام، وإنما يكون عروج الملائكة بذلك إلى ربها في وقت قصير؛ لحظة أو طرف عين أو نحو ذلك، وهذا كله من أمر الغيب الذي لا يعلم كنهه وماهيته إلا الله تعالى.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يقول الله عز وجل: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ السجدة/ 5 .
 

قال ابن كثير رحمه الله:
"
أَيْ يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ مِنْ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، إِلَى أَقْصَى تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَتُرْفَعُ الْأَعْمَالُ إِلَى دِيوَانِهَا فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَمَسَافَةُ مَا بَينهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ: مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَسُمْكُ السَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: النُّزُولُ مِنَ الْمَلَكِ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمائَةِ عَامٍ، وَصُعُودُهُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُهَا فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ " .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 /359) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أي: الأمر ينزل من عنده، ويعرج إليه فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وهو يعرج إليه، ويصله في لحظة " انتهى . "تفسير السعدي" (ص 654).

فعلى ذلك: يكون تدبير الله جل جلاله لأمره، من السماء إلى الأرض، ثم عروج الملائكة إليه بذلك، كله: في يوم واحد؛ مقدار هذا اليوم في حساب الناس: ألف سنة مما عندهم من الأيام، وإنما يكون عروج الملائكة بذلك إلى ربها: في وقت قصير؛ لحظة، أو طرف عين، أو نحو ذلك، وهذا كله من أمر الغيب الذي لا يعلم كنهه وماهيته إلا الله تعالى .

وليس الأمر بحسب ما ظن السائل أن الله تعالى يرسل الملائكة إلى الأرض، ثم يمكث ألف سنة حتى يرجعوا إليه بخبر أهل الدنيا وأعمالهم، فالله تعالى علام الغيوب، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وهو أمر مقطوع به، معلوم بالضرورة من دين الإسلام، ولذلك قال تعالى في الآية التالية لهذه:ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ السجدة/ 6 .

والله عز وجل يعلم ما الخلق عاملوه قبل أن يخلقهم ، وقبل أن يعملوه، ويعلمه بعدما خلقهم، وقبل أن يعملوه أيضا، ثم يعلمه في حين عملهم لما يعملون، وبعد عملهم لما يعملونه، يعلمه كذلك، علام الغيوب .

وقد روى مسلم (4797) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ .

وروى أبو داود (4078) عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟، قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود ".

وأما نزول الملائكة وعروجها: فهذا من تمام ملكه وسلطانه، وعظمته وجلاله، وتدبيره لأمر كونه جل شانه، وإنما تكتب الملائكة أعمال العباد، وتحصيها عليهم في صحائفهم: إقامة لحجة الله عليهم بما عملوه، وليس لأن علم الله جل جلاله، يحتاج إلى شيء من ذلك، سبحانه، لا يحتاج إلى من يعلمه ما لا يعلم، ولا يذكره بأمر ينساه؛ فهو منزه عن ذلك كله جل جلاله: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى طه/49-52 .

وقد روى البخاري (555)، ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ .

قال النووي رحمه الله:
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَسْأَلهُمْ رَبّهمْ وَهُوَ أَعْلَم بِهِمْ كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَهَذَا السُّؤَال عَلَى ظَاهِره، وَهُوَ تَعَبُّد مِنْهُ لِمَلَائِكَتِهِ، كَمَا أَمَرَهُمْ بِكَتْبِ الْأَعْمَال، وَهُوَ أَعْلَم بِالْجَمِيعِ" انتهى .

وراجع للفائدة جواب السؤال رقم: (10244) .

والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android