0 / 0
20,37211/03/2015

إذا حكى الله تعالى في كتابه قولا عن أحد من خلقه ولم يردّه ، هل يجوز أن يُنسب هذا القول إلى الله ؟

السؤال: 225975

عندما يروي الله تعالی كلام أحد في القرآن ، هل ننسب القول لله أم للقائل ؟
فكثيراً ما نجد من يقول إن الله قال : ” إن كيدكن عظيم” ، مع أن هذا قول العزيز ،
ويقول : إن الله استنكر صوت الحمير ، بالرغم أن الذي استنكره لقمان .
فهل يجوز القول بأن الله قال هذا الكلام ؟ أم ننسبه لصاحبه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
إذا حكى الله تعالى في كتابه قولا عن أحد من خلقه ، فإن رده دل ذلك على بطلانه ، وإن لم يرده دل ذلك على صحته وقبوله .
قال الشاطبي رحمه الله :
” كل حكاية وقعت في القرآن ؛ فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها – وهو الأكثر – رد لها ، أو لا ، فإن وقع رد ؛ فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه .
وإن لم يقع معها رد ؛ فذلك دليل صحة المحكي وصدقه .
أما الأول فظاهر ، ولا يحتاج إلى برهان ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) الأنعام/ 91 ، فأعقب بقوله : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ) الآية الأنعام/ 91 .
وأما الثاني ؛ فظاهر أيضا ، ولكن الدليل على صحته : من نفس الحكاية وإقرارها ، فإن القرآن سمي فرقانا ، وهدى ، وبرهانا ، وبيانا ، وتبيانا لكل شيء ، وهو حجة الله على الخلق ، على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم ، وهذا المعنى يأبى أن يحكى فيه ما ليس بحق ، ثم لا ينبه عليه .
ومن أمثلة هذا القسم : جميع ما حكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقا ؛ كحكايته عن الأنبياء والأولياء ، ومنه قصة ذي القرنين ، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام ، وقصة أصحاب الكهف ، وأشباه ذلك” . انتهى باختصار من ” الموافقات ” (4/158-161).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” هنا قاعدة وهي : إذا جاء في النصوص ذكر أشياء ، فأنكر بعضها ، وسكت عن بعض ؛ دل على أن ما لم ينكر فهو حق ، مثال ذلك قوله تعالى : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) الأعراف/ 28 ، فأنكر قولهم : ( وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ) ، وسكت عن قولهم: ( وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا ) ؛ فدل على أنها حق ، ومثلها عدد أصحاب الكهف ، حيث قال عن قول : ( ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) قال : (رَجْمًا بِالْغَيْبِ)، وسكت عن قول : ( سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) الكهف/22 ” .
انتهى باختصار من ” مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ” (10/ 1099) .

ثانيا :
الكلام المحكي في القرآن الكريم على ألسنة المتكلمين إنما هو بالمعنى وليس باللفظ ، فإن القرآن كلام الله ، وليس كلام أحد من المخلوقين ، ولما كان كذلك كانت الأقوال المحكية على ألسنة المتكلمين بها ، هي من كلام الله ، يقص به أخبار الأولين ، وينقل كلامهم ، ولكنها تنسب إليهم باعتبار مضمون الكلام ومعناه .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (140060) .

وبناء على هذا ، فكل ما في القرآن من الأقوال المحكية عن أحد من الخلق هو كلام الله تعالى.
ولكن من حيث صحة الاستدلال به ، فينظر فيها : إن لم يردها الله على قائلها ، ويبطلها عليه: فإنه يستدل بها على ما فيها من معانٍ ، ويقال فيها : قال الله تعالى .
وأما إن ردها الله تعالى ، وأبطلها على قائلها : فإنه يقال فيها أيضا : قال الله تعالى ، باعتبار أنه حكاها عن قائلها .
ولكن لا يستدل بها على ما فيها من معان ٍ، بل يبين أن الله تعالى أبطل هذا الكلام ، وبين أنه غير صحيح .
وبناء على هذا : فقول الله تعالى عن لقمان في وصيته لابنه : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان/ 19 هذا الكلام كلام الله ، ويستدل به على ما فيه من معنى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (11/ 599) .
وقال أيضا :
” أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِالسَّكِينَةِ وَالْقَصْدِ فِي الْحَرَكَةِ وَالْمَشْيِ مُطْلَقًا فَقَالَ: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (22/ 565) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
” هَذِهِ وَصَايَا نَافِعَةٌ ، قَدْ حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ ؛ لِيَمْتَثِلَهَا النَّاسُ وَيَقْتَدُوا بِهَا “.
انتهى من “تفسير ابن كثير” (6/ 337) .
وكذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) يوسف/ 28 ، هو من كلام العزيز ، أو من كلام الشاهد ، ولكن الله تعالى ذكره ولم يرده ، فهو إقرار له .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في رده على بعض الكتاب :
” … وكذلك ، مِن غَلطه في حق القرآن : ما قاله حول قوله سبحانه في حق المرأة ، في سورة يوسف : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ؛ قال: ليس هو حكم الله تعالى على المرأة ، يعني فلا توصف المرأة بأن كيدها عظيم ، يقول: لأن هذا الكلام صدر عن الملك .
ونقول له: أليس الله سبحانه قد ساقه مقررا له ، لا منكرا له ، بل مؤيدا له أيضاً ، بما حكاه الله عن يوسف عليه السلام أيضا من قوله: ( إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ )؟! ” انتهى .
http://www.alfawzan.af.org.sa/node/2297
على أنه ينبغي مراعاة أن هذه الآية جاءت في سياق أحداث معينة ، فلا يجوز إخراجها عن هذه الأحداث والسياق لتكون عامة شاملة لكل ما تكيد به النساء .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (211800) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android