0 / 0
28,23820/11/2011

ترجمة السلطان المغولي ” أورنك زيب ” وهل كان سلفيَّ العقيدة

السؤال: 174824

بارك الله فيكم ورفع درجاتكم في الدنيا والآخرة .
أرجو منكم التكرم بإجابة هذا السؤال :
ما حقيقة ” أورنك زيب ” ( الامبراطور المغولي الذي حكم الهند ) ؟ وهل كان من أتباع منهج أهل السنَّة والجماعة ( السلف ) ؟ أم أنه كان كباقي الأباطرة المغول ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

السلطان ” أورنك زيب ” هو أبو المظفر محي الدين محمد ” عالَم كير ” ، سلطان مملكة شبه القارة الهندية وما حولها ، وهو أحد أحفاد ” تيمور لنك ” الطاغية المغولي المعروف ، ولد في 15 من ذي القعدة عام 1028هـ – يوافق 24 من أكتوبر 1619م – ، وتوفي في 28 من ذي القعدة عام 1118 هـ – يوافق 20 من فبراير 1707م – .
و ” أُورنْك زِيْب ” – ويقال ” أورنج زيب ” – معناها بالفارسية ” زينة العرش ” ، فـ ” أورنج ” معناها : عرش ، و ” زيب ” معناها : زينة ، وأما ” عالَم كير ” فمعناها بالفارسية : فاتح العالم .
وهو ابن السلطان ” شاه جيهان” أحد أعظم سلاطين دولة المغول المسلمين فى الهند , وهو الذي بنى مقبرة ” تاج محل ” الشهيرة التى تعد من العجائب ، ليدفن فيها زوجته الشهيرة باسم ” ممتاز محل ” – والدة السلطان أبي المظفر – والتي فُتن بحبِّها ، ومن شدة حزنه عليها لم يعد صالحاً للملك ، فتولَّى ابنه السلطان أبو المظفر الملك في حياته بعد معارك مع إخوته .
لم يكن السلطان ” أورنك زيب ” كباقي سلاطين المغول ، بل المعروف من سيرته أنه كان عالِماً عابداً زاهداً تقيّاً شاعراً ، وكان حنفي المذهب في الفروع ، فهو ليس كباقي سلاطين المغول ، بل هو خير منهم جميعاً .
ومن أفعاله الجليلة : أنه حارب البدع والخرافات ، وترك الاستماع للموسيقى والغناء – مع أنه كان من الماهرين بهما – وأبطل الاحتفالات الوثنية والبدعية ، كما أبطل عادة الانحناء وتقبيل الأرض مما كان يُفعل للملوك قبله ، وأمر أن يحييه الناس بتحية الإسلام ” السلام عليكم ” ، ولعلَّ هذا ما جعل بعض الكتَّاب من الحاقدين على الإسلام يصفه بالتعصب ! ومن الممكن أن هذا جعل بعضهم يظنه ” سلفيّاً ” – وهو في هذه الأبواب كلها سلفي ولا شك – والواقع أنه – رحمه الله – كان حنفيَّ المذهب ، والمعروف عن الحنفية في تلك البلاد أنهم ماتريدية في أبواب العقائد ، وقد ذكر كثير ممن ترجم له أنه كان متصوفاً ، فالله أعلم بحاله واعتقاده ، فليس هناك شيء نعلمه عنه بيقين ، والمشتهر في ترجمته هو أفعاله وصفاته كتعبّده وزهده وديانته ، فقد ذكر مترجموه فيها أشياء كثيرة حميدة ، فإذا أضيف إليها محاربته للبدع والخرافات ، وقضاؤه على الدويلات الرافضية ، ومنعه للاحتفالات البدعية والوثنية تبيَّن أنه ملك يستحق الاحترام والتقدير والدعاء بخير ، وما فعله – رحمه الله – هو تطبيق عملي لمنهج السلف في الحُكم وهو ما دعا بعض الأدباء – وهو الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله – أن يطلق عليه ” بقية الخلفاء الراشدين ” ، وقد ترجم له ترجمة جليلة في كتابه ” رجال من التاريخ ” ( ص 227 – 237 ) ، وقد ختمها بقوله :
ووفِّق إلى أمرين لم يسبقه إليهما أحد من ملوك المسلمين :
الأول: أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس , لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين , أخذ المال بلا حق ، وكتمان العلم .
الثانى: أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية فى كتاب واحد , يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه ونظره “الفتاوى التي نُسبت إليه فسميت ” الفتاوى العالمكيرية ” واشتهرت بـ ” الفتاوى الهندية ” من أشهر كتب الأحكام في الفقه الإسلامي وأجودها ترتيباً وتصنيفاً .
” رجال من التاريخ ” ( ص 236 ) .
ومن أقرب مَن ترجم للسلطان مِن أهل عصره – ووصفه بالتصوف – أبو الفضل محمد خليل بن علي المرادي – رحمه الله – توفي 1206 هـ – وقد قال في ترجمته :
سلطان الهند في عصرنا ، وأمير المؤمنين وإمامهم ، وركن المسلمين ونظامهم ، المجاهد في سبيل الله ، العالِم العلامة ، الصوفي العارف بالله ، الملك القائم بنصرة الدين ، الذي أباد الكفار في أرضه ، وقهرهم وهدم كنائسهم ، وأضعف شركهم ، وأيد الإسلام وأعلى في الهند مناره ، وجعل كلمة الله هي العليا ، وقام بنصرة الدين ، وأخذ الجزية من كفار الهند ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم ، وفتح الفتوحات العظيمة ، ولم يزل يغزوهم ، وكلما قصد بلداً سلكها ، إلى أن نقله الله إلى دار كرامته وهو في الجهاد ، وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عنه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وكان موزعاً لأوقاته : فوقت للعبادة ، ووقت للتدريس ، ووقت لمصالح العسكر ، ووقت للشكاة ، ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته ، لا يخلط شيئاً بشيء .
والحاصل : أنه كان حسنة من حسنات الزمان ، ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مُدانِ ، وقد ألُّفتْ في سلطنته وحسن سيرته الكتب الطويلة بالفارسية غيرها فمن أرادها فليطلع عليها .
” سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ” ( 4 / 113 ) .
ثم قال – بعد ذلك – :
واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف ، وأراد الله بأهل الهند خيراً ؛ فإنه رفع المظالم والمكوس ، وطلع من الأفق الهندي فجره ، وظهر من البرج التيموري بدره ، وفلك مجده دائر ، ونجم سعده سائر ، وأَسَر غالب ملوك الهند المشهورين ، وصارت بلادهم تحت طاعته ، وجُبِيَت إليه الأموال ، وأطاعته البلاد والعباد ، ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد ، ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه ، وكلما فتح بلادا ، أشرع في فتح أخرى ، وعساكره لا يحصون كثرة ، وعظمته وقوته لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها ، والملك لله وحده ، وأقام في الهند دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد .
والحاصل : أنه ليس له نظير في عصره في ملوك الاسلام في حسن السيرة والخوف من الله سبحانه والجد في العبادة .
وأمر علماء بلاده الحنفية أن يجمعوا باسمه فتاوى تجمع جل مذهبهم مما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية فجمعت في مجلدات وسماها بـ ” الفتاوى العالمكيرية ” واشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية ، وعمَّ النفع بها وصارت مرجعاً للمفتين ، ولم يزل على ذلك حتى توفي بالركن في شهر ذي القعدة الحرام سنة ثماني عشرة ومائة وألف ، ونقل إلى تربة آبائه وأجداده ، وأقام في الملك خمسين سنة رحمه الله تعالى .
” سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ” ( 4 / 113 ) .
وللتوسع في ترجمته – أيضاً – : يُنظر ما كتبه الأستاذ عبد المنعم النمر في كتابه ” تاريخ الإسلام في الهند ” ( ص 286 – 288 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android